فصل: 989 مسعود بن أحمد بن محمد بن المظفر الخوافي أبو المعالي بن الإمام أبي المظفر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


978 مجلي بن جميع بضم الجيم بن نجا المخزومي قاضي القضاة أبو المعالي

صاحب الذخائر وغيره من المصنفات له إثبات الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والكلام على مسألة الدور وغيرهما

كان من أئمة الأصحاب وكبار الفقهاء وإليه ترجع الفتيا بديار مصر

قال ابن القليوبي في كتاب العلم الظاهر سمعت الشيخ الحافظ زكي الدين عبد العظيم يقول عن الشيخ أبي المعالي مجلي إنه تفقه من غير شيخ قال وقال الشيخ يعني الحافظ عبد العظيم وكان يعني القاضي مجليا يمشي في جبانة القرافة وهو يطالع ويزور فإذا كان بعد العصر أسند ظهره إلى المقطم واستقبل البركة وأمر على خاطره ما طالعه في نهاره

قال عبد العظيم وكان القاضي مجلي استعار كتاب البسيط عارية مؤقتة وهي مده قريبة جدا ولعلها لكل جزء يومان وكان يصلي الفرائض خاصة ويشتغل بالنسخ ويقال إنه بسبب هذه السرعة جاء في بعض المواضع من كتاب الذخائر خلل في النقل عن البسيط وكان جيد الحفظ حسن التعليق

قال ابن القليوبي ورأيت هذه النسخة وابتيعت بثمن كثير لنسبتها إليه

قال ابن القيلوبي وكان مجلي قبل القضاء يسكن قليوب

قال وسمعت والدي يقول إنه لما ولى القضاء توجه إلى زيارته الشيخ أبو إسحاق وابن أبي الأشبال فوجداه وقد قدم له مركوب من جهة الخليفة على هيئة تخص الحكام وكان لحكام المصريين هيئة خاصة وكذلك لشهودهم فلما خرج نفض السرج بكمه وقبله وركب فلما رأيا ذلك منه رجعا ولم يجتمعا به فاتصل به ذلك عنهما فقال والله لم أدخل في الحكم إلا الضرورة ولقد بعد عهد أهلي باللحم فأخذت لهم منه فما هو إلا أن وضعوا أيديهم مرة ثم لم يضعوها ثانية يشير إلى كثرة العيال وقلة الطعام

قال شيخنا الذهبي كانت ولايته قضاء مصر في سنة سبع وأربعين وخمسمائة بتفويض من العادل ابن السلار سلطان مصر ووزيرها ثم عزل قبل موته ومات في ذي القعدة سنة خمسين وخمسمائة

ومن المسائل عنه

وقد رتب كتابه الذخائر على سلك لم يسبق إليه وباب التفليس فيه وباب الحجر بعد كتاب القضاء

قال في الذخائر ومنه في كتاب التعزير نقلته وأما قدره يعني التعزير قال الشاشي في الحلية الناس على أربع رتب التعزير بالكلام ثم بالحبس ثم بالنفي ثم بالضرب

ثم قال في التعزير بالحبس إن من الناس من يحبس يوما ومنهم من يحبس إلى غاية لا تقدر لكن بحسب تأدية الاجتهاد ويراد بها المصلحة

وقال الزبيري من أصحابنا تقدر غايته بشهور الاستبراء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقويم

والمرتبة الثالثة النفي اختلف في غايته ظاهر المذهب أن أكثره ما دون السنة انتهى

وهذا منه ومن الشاشي قبله تصريح بجواز التعزير بالنفي والإخراج عن البلد وقد صنعه عمر رضي الله عنه ولا شك في جوازه وأشار إلى جوازه أيضا القاضي الحسين غير أنه وقع في عبارة الرافعي أما جنسه يعني التعزير من الحبس أو الضرب جلدا أو صفعا فهو إلى رأي الإمام ولم يصرح بالنفي فصار كثير من الطلبة يستغرب مسألة النفي ولا غرابة فيها والحق أن ولي الأمر إذا رآه مصلحة جاز له التعزير به وقد صرح به الشاشي ومجلي وهو واضح ثم رأيته مصرحا به أيضا في الحاوي للماوردي والبحر للروياني وكلهم صرحوا بأن ظاهر المذهب أن النفي ينقص عن سنة قال الماوردي في الحاوي حتى لا يصير مساويا للتغريب في الزنا

قال في الذخائر بعد أن ذكر قبول رجل وامرأتين في المال في كتاب الشهادات ما نصه ويقبل الرجل والمرأتان مع وجود الرجلين ومع عدمهما وحكى في الحاوي أنه لا يقبل الرجل والمرأتان إلا مع عدم الرجلين والمذهب الأول انتهى

والواقف على هذا يتوهم أن صاحب الحاوي حكاه عن مذهبنا لقوله والمذهب الأول وذلك غير معروف في مذهبنا ولا حكاه الماوردي عنه إنما حكاه عن مالك

فقال في باب الأقضية واليمين مع الشاهد مدعي المال إذا قدر على إثبات حقه بالخيار بين ثلاثة أشياء إحداها أن يثبته بشاهدين وهو أقوالها فيحكم له المال

والثاني أن يثبته بشاهد وامرأتين فيحكم له بالمال وإن قدر على الشاهدين

وقال مالك لا يجوز أن يحكم له المال بالشاهد والمرأتين إلا مع عدم الشاهدين انتهى

ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم اشتراط فقدان الشاهدين

قال في الذخائر في كتاب الشهادات ما يثبت بشاهد واحد هلال رمضان ليس سواه قال القاضي شهاب الدين بن شداد لقد عجبت من صاحب الذخائر في هذا الكلام وقد تقدم تقريره أنه إذا أقام شاهدا واحدا استحق الحيلولة والوقف به في صور متعددة وهو حق يثبت بالشاهد الواحد ولعله أراد بذلك أن هذه أمور تابعة لحقوق لا أنها مقصودة انتهى

قلت لقد عجبت من ابن شداد في هذا الكلام فإن الشاهد الواحد على القول بالحيلولة والوقف به لا يثبت به الحق المدعى إنما هي حيولة ووقف عين وهذا لم ينفرد به صاحب الذخائر فإن كان ابن شداد ظن أنه تقدم من صاحب الذخائر الحكم بشاهد واحد في صور متعددة فليس كما ظن وإنما تقدم فيه الحيلولة بشاهد واحد وليس هو من الحكم بشيء وكلامه قويم وتعجب ابن شداد عجيب وما قاله مجلي قاله الناس كلهم ثم طريق الرد عليه ببيان صور يحكم فيها بشاهد واحد إما على الصحيح أو على رأي ضعيف وقد أوردناها في كتابنا التوشيح عند كلامنا على قول المنهاج لا يحكم بشاهد واحد إلا في هلال رمضان في الأظهر

منها لو شهد عدل واحد بإسلام من عهدناه ذميا قبل موته فإنه لا يحكم بإسلامه بالنسبة إلى الميراث فلا يرث منه المسلم ولا يحرم منه الكافر وهل يثبت بالنسبة إلى وجوب الصلاة عليه وجهان بناهما المتولي على الخلاف في لزوم رمضان بواحد لتضمن ذلك إيجاب عبادة ومنها هلال ذي الحجة على وجه ومنها هلال شوال على قول أبي ثور وقال صاحب التقريب لو قلت به لم أكن مبعدا ورأى الإمام اتجاهه

ومنها قال البغوي في التهذيب وتابعه غيره إن العيب يقبل فيه الرجل الواحد ويثبت به الرد لكن في التتمة خلافه

ومنها إذا نذر صوم شعبان فشهد واحد باستهلال هلاله فوجهان عن البحر يبنيان على أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع أم جائزة ومنها العون إذا أخبر الحاكم بامتناع الغريم من الحضور اكتفى به في تأديبه

ومنها إذا ادعى الخصم امتناعه فشهد به واحد فقد قيل يكتفى به والأشبه في المسألتين أن ذلك من باب الخبر لا الشهادة فلا يكون مما نحن فيه

ومنها صورة أوردها الشيخ برهان الدين بن الفركاح في تعليقته على التنبيه وفي حواشيه على المنهاج ونقلها عن الحاوي فقال ذكر الماوردي في الباب الثاني من كتاب الشهادة في الكلام على ما يكون به عدلا ما لفظه والثالث أن يشهد ببلوغه شاهد عدل فيحكم ببلوغه وتكون شهادة لا خبرا انتهى

وقد رأيته في الحاوي في النسخة التي نقل منها الشيخ برهان الدين وهي وقف المدرسة البادرائية ولفظه كما ذكره وها أنا أحكيه مع ما قبله وما بعده لوقوع الاضطراب فيه قال الماوردي ومن النسخة التي نقل منها ابن الفركاح نقلته في التوصل إلى معرفة البلوغ ما نصه علم الحاكم ببلوغه يكون من أحد أربعة أوجه أحدها أن تظهر عليه شواهد البلوغ بالإنبات إذا جعل الإنبات في المسلمين بلوغا

والثاني أن يعرف الحاكم سنة فيحكم ببلوغه إذا استكمل سن البلوغ

والثالث أن يشهد ببلوغه عنده شاهد عدل فيحكم ببلوغه ويكون شهادة لا خبرا

والرابع أن يقول الغلام قد بلغت فيحكم ببلوغه بقوله لأنه قد يبلغ بالاحتلام الذي لا يعلم من جهته لأنه تتغلظ أحكامه بتوجه التكليف إليه فكان غير متهم فيه انتهى

وقد ذكره الروياني في البحر كذلك إلا أنه قال شاهدا عدل فمن ثم جوزنا أن تكون الألف ساقطة من لفظ الحاوي لكوننا وجدناها ثابتة في لفظ البحر وهذا يكاد يحكي لفظه كثيرا وسقوط ألف واحدة هين لكن أوقفنا عن ذلك أن في الحاوي والبحر كليهما ويكون شهادة لا خبرا ومع قيام الشاهدين لا يحتاج إلى هذا الكلام وبالجملة في اللفظ اضطراب ولا يتأتى إيراد الشيخ برهان الدين إلا على تقدير سقوط الألف وفيه وقفة

قال في الذخائر في أوائل باب تحمل الشهادة بعدما حكى الوجهين في أن تحملها في غير النكاح هل هو فرض كفاية أو سنة ما لفظه قال بعض أصحابنا ووجه التردد نشأ من الآية وهو قوله تعالى ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ‏}‏ فمنهم من حملها على الأداء ومنهم من حملها على التحمل قال القاضي مجلي وهذا فيه نظر ثم لقائل أن يقول إنها عامة فيهما لأنه قد يحتاج إلى دعائه فيهما فهو مأمور بإجابته في الحالتين

انتهى

وقد يقول من يدعي تخصيصها بالأداء إن اسم الشاهد حقيقة لا يطلق على من لم يتحمل

قال في الذخائر في مسح الخف أنه لا يجوز المسح على الخف التي أصابته نجاسة حتى يطهر لأنه لا تجوز الصلاة معه فلا يجوز المسح عليه وهذا أيضا ذكره النووي في شرح المهذب ولعله أخذه من الذخائر وهو شيء عجيب لا يساعده منقول ولا معقول وإنما الذي منعه الأصحاب المسح على نجس العين أم المتنجس فلا يمنع المسح عليه بل يصح ثم يصير المانع من الصلاة بوجود متنجس فيغسله ويصلي فيه وبذلك صرح الشيخ أبو محمد في التبصرة فقال وإذا كان الخف نجسا فلا تصح الصلاة معه لنجاسته والمسح عليه صحيح حتى إذا مسح عليه أولا ثم أراد حمل المصحف أومسه كان ذلك مباحا ولكن الصلاة لا تباح وعلى الخف نجاسة لأن النجاسة على البدن أو الثوب لا تتداعى إلى فساد الوضوء فكذلك الخف انتهى

وليس في الرافعي إلا أن الخف من كلب أو ميتة قبل الدباغ لا يجوز المسح عليه وذلك مخصوص بنجس العين لا المتنجس بل لو قال قائل لا منافاة بين صحة المسح و النجاسة ولو عينيه فيصح المسح ثم تمنع الصلاة للنجاسة لساعدته عبارة التبصرة

979 محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمود بن ماشاده أبو منصور بن أبي نصر

من أهل أصبهان ومن أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ذوي الحشمة والجاه

تفقه على أبي بكر الخجندي وعبد الوهاب بن محمد الفامي وسمع منهما الحديث ومن الإمام أبي المظفر السمعاني ومن خلق وحدث وأملى عدة مجالس

روى عنه الحافظ ابن عساكر في معجم شيوخه

توفي فجأة ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخمسمائة

980 محمود بن إسماعيل بن عمر بن علي الإدريسي الطريثيثي أبو القاسم

قال ابن السمعاني إمام فاضل مفت مناظر أصولي حسن السيرة أفنى عمره في الوحدة والقنوع ونشر العلم وطلبه وتفقه على والدي وسمع الحديث من عبد الغفار الشيروي وغيره كتبت عنه شيئا يسيرا بمرو

981 محمود بن الحسن بن بندار بن محمد بن عبد الله الأصبهاني الطلحي أو نجيح

من أهل أصبهان وهو من الوعاظ الذين لهم القبول الزائد من العامة

سمع مكى بن منصور بن علان وهبة الله بن الحصين وأبا العز بن كادش وغيرهم

روى عنه ابن السمعاني

ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وتوفي في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بعد عوده من الحج

982 محمود بن علي بن أبي طالب بن عبد الله بن أبي الرجاء التميمي الأصبهاني أبو طالب

صاحب الطريقة في الخلاف وهو أحد تلامذة محمد بن يحيى وكان ذا تفنن في العلوم وله في الوعظ اليد الطولى

تفقه به جماعة بأصبهان

توفي في شوال سنة خمس وثمانين وخمسمائة

983 محمود بن المبارك بن علي بن المبارك بن الحسن ابن بقيرة بفتح الباء الواسطي

أبو القاسم بن أبي الفتح العراقي المجير البغدادي

قرأ المذاهب والخلاف على أبي بكر الأرموي صاحب أبي إسحاق الشيرازي وعلي أبي منصور الرزاز وقرأ الأصول والكلام على أبي الفتوح الإسفرايني وعبد السيد بن علي بن الزيتوني حتى صار من أجلاء الأئمة

قال ابن النجار برع في الأصول والفروع والخلاف والجدل وعلم الكلام وعلم المنطق حتى صار شيخ وقته وعلامة عصره يقصده الطلبة من البلاد البعيدة

قال وصنف كتبا كثيرة في الأصول والجدل وغيرهما وعلق عنه الناس تعاليق كثيرة

قال وأعاد بالنظامية وهو شاب في أيام أبي النجيب السهروردي ثم سافر إلى الشام وأقام بدمشق مدة يدرس في عدة مواضع ثم عاد إلى بغداد وخرج إلى بلاد فارس ونزل شيراز فأقام بها مدة يدرس بها سنين ثم قدم واسطا في آخر سنة سبع وثمانين وخمسمائة فأقام بها نحوا من أربع سنين يدرس ويحضر عنده الفقهاء ثم عاد إلى بغداد وتولى تدريس النظامية في شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين ثم ندب إلى الخروج في رسالة من الديوان إلى خوارزمشاه وكان يؤمئذ بأصبهان فخرج من بغداد يوم الخميس الثالث والعشرين من شوال من السنة المذكورة وفي صحبته ولده وجماعة من الفقهاء فانتهى إلى همذان وقد مرض واشتد مرضه فأقام بها إلى أن توفي

سمع من أبي القاسم هبة الله بن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي وعبد الوهاب ابن الأنماطي وإسماعيل بن السمرقندي وعلي بن عبد السيد بن الصباغ وغيرهم وحدث باليسير

ولد في رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة

أخبرنا والدي رضي الله عنه قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الحافظ أبو محمد الدمياطي أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي أخبرنا الإمام أبو القاسم محمود بن أبي الفتح المبارك بن أبي القاسم علي بن الحسن بن الحسين الواسطي الفقيه المعروف بالمجير قدم بغداد قراءة عليه وأنا أسمع بها قيل له حدثكم أبو القاسم هبة الله بن محمد ابن عبد الواحد الشيباني إملاء من لفظه وأنت تسمع أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قراءة عليه وأنا أسمع حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن المقري حدثنا جدي حدثنا سفيان عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وقال مرة أخرى إنه حدث أن النبي قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب

984 محمود بن محمد بن العباس بن أرسلان أبو محمد العباسي مظهر الدين الخوارزمي

صاحب الكافي في الفقه

من أهل خوارزم

كان إماما في الفقه والتصوف فقيها محدثا مؤرخا له تاريخ خوارزم قال شيخنا الذهبي وقفت على الجزء الأول منه

ولد بخوارزم في خامس عشر شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

سمع أباه وجده العباس بن أرسلان وإسماعيل بن أحمد البيهقي بخوارزم ومحمد بن عبد الله الحفصوي بمرو وأحمد بن عبد الواحد الفارسي بسمرقند ومحمد بن علي المطهري ببخارى وابن الطلاية ببغداد وتفقه على الحسن بن مسعود البغوي ودخل بغداد ووعظ بها بالنظامية وحدث

سمع منه يوسف بن مقلد وأحمد بن طاروق

قال ابن السمعاني كان فقيها عارفا بالمتفق والمختلف صوفيا حسن الظاهر والباطن قال أيضا وطلب الحديث بنفسه وعلق منه طرفا صالحا

قال وبيته بيت العلم والصلاح قال وأقام بخوارزم يفيد الناس وينشر العلم

قلت ووقفت على المجلد الأول من تاريخه وهو الذي وقف عليه شيخنا الذهبي وهو من قسمة ثمانية أجزاء ضخمة وفيه دلالة على أن الرجل كان متبحرا في صناعة الحديث يطلق عليه الحافظ المطلق ولا حرج وقد أكثر فيه من الأسانيد والفوائد والكلام على الحديث وابتدأ بعد ما ذكر أخبار خوارزم وهي التي وسمها في كتابه منصورة بالمحمدين وذكر في خطبته أن الحاكم أبا عبد الله سماها بهذا الاسم بحديث موضوع ورد فيها ساقه بإسناد في المجلد الأول جمع المحمدين وأكثر فيه الحديث عن زاهر بن طاهر بالإجازة وإذا ذكر أبا سعد بن السمعاني أو شهردار بن شيرويه قال أخبرنا وكثيرا ما يروي عن أبي سعد بالإجازة

توفي في شهر رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة

وله بخوارزم عقب علماء محدثون

ومن الفوائد وغرائب المسائل عن صاحب الكافي

ذكر في مقدمة تاريخ خوارزم أن خوارزم كانت مدينة تسمى المنصورة لحديث ورد كما ذكرناه وأن الوادي حطمها وأخذها

قال وسمعت عدة من المشايخ يقولون كان بمنصورة اثنا عشر ألف مسجد فإن فيها اثنى عشر ألف سكة في كل سكة مسجد وفيها ألف ومائتا حمام ثم حولت إلى المدينة التي هي اليوم كائنة وذكر من تعظيمها وتعظيم أهلها الشيء الكثير وحكى من سعادتهم الأمر العجيب وذكر منهم أبا نصر منصور بن علي بن عراق الجعدي وأنه كان مقيما بقرية على باب البلد وله بها قصر مشيد وأن جماعة جاءوا من البلد فمروا يضيعته فأبصروه فنزلوا عند دوابهم وجاءوا يسلمون عليه فأمر وكيله أن ينزلهم في موضع يليق بهم وأمره بضيافتهم وتعهد دوابهم وكانوا عصارين دهانين من منصورة أي زياتين خرجوا يطلبون شراء سمسم وكانوا تسعمائة نفس سوى من يتبعهم من أشياعهم فلما أصبحوا ركب جماعة منهم لينتشروا في القرى فأخبر أبو نصر بذلك فقال إن لم يكن عندنا ما يكفيهم فليطلبوا حينئذ من غيرنا فجلس المستوفى والوزان والنقاد يوزن عنهم ما كان من النقد عندهم والمستوفى يثبت في الجريدة ما يؤدي كل واحد منهم باسمه فلما فرغوا من أخذ ما كان معهم من النقد والمتاع أمر أبو نصر بفتح باب الآبار والكيل لهم حتى وفاهم بالتمام وقد فضل عنده سمسم كثير وأمر أن يكتال عليهم ما اشتروه و أمر لهم بعجلان لتحمل معهم فوصل الطرف الأول منها إلى وسط البلدة والطرف الآخر إلى دار الوقف لا يخرج من القرية

قال صاحب الكافي وكان ذلك في آخر أيام المنصورة حتى لم يبق منها بالإضافة إلى ما كانت إلا شيء يسير يخرج منها تسعمائة عصار سوى من تأخر في البلد

قال وأبو نصر هذا هو الذي نزل عنده السلطان أبو القاسم محمود حين دخل خوارزم في ضيعته هذه فأضافه وأضاف جنده ولم يحتج في ضيافتهم إلى إحضار شيء من موضع آخر

قال وسمعت الثقات أنه أخرج لكل فرس كان معهم وقت العشاء مخلاة بالشعير وغراران جديدان

قال غير أن السلطان اتهمه بسوء الاعتقاد فإنه لم ير في ضيعته مسجدا فلما دخل الجرجانية أمر بصلبه فصلب مع من صلب من المتهمين بسوء الاعتقاد في سنة ثمان وأربعمائة

وأطال صاحب الكافي في ذكر مناقب خوارزم وهي جرجانية المدينة الموجودة اليوم وهما بلدان عظيمان من بلاد المسلمين حولا عن مكانهما خوارزم كانت تسمى المنصورة فحولت لما حطمها الوادي إلى قريب منها يسمى الجرجانية ونيسابور لما هدمتها الزلازل وكانت من إحدى قواعد بلاد خراسان حولت إلى قريب منها هو الآن يسمى بنيسابور أيضا

985 محمود بن محمد بن عبد الواحد بن منصور بن أحمد بن علي بن محمد ابن أحمد بن ماشادة

كذا قرأت نسبة بخطه على كتابه المسمى فقه القلوب وهذا الكتاب عندي بخط مصنفه هذا الرجل وهو غريب النوع مبوب على أبواب الفقه يفتتح الباب بذكر مسائله الفقهية ثم يذكر بعدها أقوال الصوفية على ذلك النحو قال في خطبته وقد أجزت في هذا الكتاب وأمرت به ولولا الأمر لما أفصحت به

قال وقد صنف شيخا أبو طالب المكي قوت القلوب وصنف شيخنا أبو القاسم القشيري نحو القلوب وهذا فقه القلوب إن شاء الله

والمذكور لم يدرك الشيخين المذكورين ولكنه يقول شيخنا إشارة إلى الطريقة كما يقول متقدم الأشاعرة ومتأخرهم شيخنا أبو الحسن ويعنون شيخ الطريقة

وهذا الكتاب حسن في نوعه وهو مجلد ضخم ومصنفه هذا يكنى أبا القاسم ويعرف بابن المشرف من أهل أصبهان

قال ابن النجار كان من أعيان مشايخ الصوفية موصوفا بالزهد والعبادة والفضل والعلم وحسن السمت وجميل السيرة

قال وله قدم في الطريقة وكلام حسن على مذهب أهل الحقيقة وقد صنف عدة كتب في التصوف وسمع الكثير من زاهر بن طاهر وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي وأبي القاسم علي بن عبد السيد بن الصباغ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وخلق كثير وحدث بيسير من مروياته ومصنفاته

سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي ومحمد بن بقاء السرسفي

قلت وخلق آخرون سمعوا عليه كتاب فقه القلوب في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

كتب إلي أحمد بن أبي طالب من الشام قال كتب إلي محمود بن محمد عن محمود ابن محمد بن عبد الواحد بن ماشادة قراءة عليه قال حدثنا أبو القاسم صدقة بن محمد بن الحسين أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد بن الحسين أخبرنا أبو علي إسماعيل بن أحمد بن أبي الحسن البيهقي قدم علينا أخبرنا أبي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال بينما رسول في سفره وامرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت فلعنتها فقال رسول الله ‏(‏ خلوا عنها وعروها فإنها ملعونة ‏)‏ قال وكان لا يأويها أحد

986 محمود بن المظفر بن عبد الملك بن أبي توبة المروزي الوزير الكبير أبو القاسم

من أهل مرو

ولد آخر يوم من جمادى الآخرة سنة ست وستين وأربعمائة وتفقه على أبي المظفر ابن السمعاني ثم خرج إلى ما وارء النهر ولقي الأئمة

قال أبو سعد وكان مناظرا فحلا فقيها مدققا نظر في علوم الأوائل واشتغل بتحصيل تلك العلوم مع كثرة الصلاة والصدقة والمواظبة على الجمعة والجماعات وحضور مجالس الذكر ثم ترقت حاله إلى الوزارة وهو مع النظر في الوزارة يناظر الخصوم ويظهر كلامه عليهم لدقة نظره وحسن إيراده ثم عزل عن الوزارة وانزوي مدة ثم فوض إليه الاستيفاء مدة والإشراف مدة ثم قبض عليه بنيسابور وحمل إلى مرو ومنها إلى المحبس وحبس في قلعة بنواحي جيحون ويقال لها بانكر وقتل بها

سمع بمرو أبا المظفر السمعاني وببخارى القاضي أبا اليسر محمد بن محمد بن الحسن البزدوي وغيره

روى عنه أبو سعد وقال مات أو خنق في شهر رمضان سنة ثلاثين وخمسمائة ودفن على باب قلعة بانكر

987 محمود بن يوسف بن الحسين التفليسي البرزندى أبو القاسم

من أهل تفليس

تفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع الحديث منه ومن أبي يعلى بن الفراء وأبي الحسين بن المهتدي وأبي الغنائم بن المأمون وغيرهم

روى عنه الطيب بن محمد الغضائري

قال ابن السمعاني توفي بعد سنة خمسين وخمسمائة

988 مروان بن علي بن سلامة بن مروان الطنزي بفتح الطاء المهملة وسكون النون وفي آخرها الزاي نسبة إلى طنزة وهي قرية من ديار بكر

يكنى أبا عبد الله

ورد بغداد وتفقه على الغزالي والشاشي وسمع من طراد الزينبي ورزق الله التميمي وغيرهما

ثم عاد إلى بلده واتصل بالملك زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل وصار وزيرا له وحدث

روى عنه الحافظ ابن عساكر وغيره

توفي بعد سنة أربعين وخمسمائة

989 مسعود بن أحمد بن محمد بن المظفر الخوافي أبو المعالي بن الإمام أبي المظفر

من أهل نيسابور

قال فيه ابن السمعاني الإمام بن الإمام فقيه مناظر عاقل ذو رأي حسن وتدبير صائب أحد مدرسي المدرسة النظامية بنيسابور سمع أسعد بن مسعود العتبي وعبد الغفار الشيروي وغيرهما

روى عنه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وأربعمائة

قلت تفقه على إمام الحرمين ومات بخواف في شوال سنة ست وخمسين وخمسمائة

990 مسعود بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف أبو الفتح البامنجي

ولد ببامئين في سابع ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

وتفقه بمرو الروذ على البغوي ومات في رابع شعبان سنة نيف وأربعين وخمسمائة

991 مسعود بن علي

الوزير نظام الملك المتأخر وزير السلطان خوارزمشاه وأحد المتعصبين للشافعية وقد بنى لهم جامعا بمرو شرفا على جامع الحنفية فتعصبوا وأحرقوه ونمت فتنة هائلة وكادت بها الجماجم تطير عن الغلاصم

ونظام الملك هذا هو الذي بنى المدرسة النظامية بخوارزم وقد اشترك نظام الملك هذا ونظام الملك المتقدم ذكره الذي هو سيد الوزراء اشتركا في اللقب والوزارة والتعصب للشافعية وبناء المدارس وأنهما قتلهما جميعا الملاحدة وقد قتلت الملاحدة هذا في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وخمسمائة وتأسف عليه السلطان خوارزمشاه واستوزر ولده وهو صبي فأشير على الصبي بالاستعفاء فقال له خوارزمشاه لست أعفيك وأنا وزيرك لكن راجعني في الأمور

ولنظام الملك هذا آثار حسنة ولكن هو بعيد من ذلك المتقدم رحمهما الله

992 مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثي الشيخ الإمام أبو المعالي قطب الدين النيسابوري

صاحب كتاب الهادي المختصر المشهور في الفقه

كان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ أديبا مناظرا

مولده في رجب سنة خمس وخمسمائة

وتفقه على والده وعلى محمد بن يحيى وعمر السلطان وإبراهيم المروروذي ورأى الأستاذ أبا نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري وسمع الحديث من هبة الله السيدي وعبد الجبار البيهقي وغيرهما

حدث عنه أبو المواهب بن صصرى وأبو القاسم بن صصرى وتاج الدين عبد الله ابن حمويه وآخرون وتخرجت به الأصحاب وعظم شأنه

قال ابن النجار وكان يقال إنه بلغ حد الإمامة على صغر سنة ودرس بنظامية نيسابور ثم ورد بغداد وحصل له بها القبول التام ثم جاء إلى دمشق وسكنها مدة ودرس بالمدرسة المجاهدية مدة ثم بالزاوية الغزالية بعد موت أبي الفتح نصر الله المصيصي ثم خرج إلى حلب وولى بها تدريس المدرستين اللتين بناهما نور الدين وأسد الدين ثم سافر إلى بغداد ومنها إلى همذان وولي التدريس بهمذان وأقام بها مدة ثم عاد إلى دمشق

واستوطنها ودرس بالغزالية والجاروخية وتفرد برئاسة الشافعية وسافر إلى بغداد رسولا إلى ديوان الخلافة ثم عاد

وكان معروفا بالفصاحة والبلاغة وتعليم المناظرة

توفي بدمشق في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ودفن بتربة أنشأها غربي مقابر الصوفية وبنى مسجدا على الصخرات التي بمقبرة طاحون الميدان ووقف كتبها ومقرها بخزانة كتب المدرسة العادلية الكبرى بدمشق

ومن فوائد

حكة في الهادي طريقة في ولاية الفاسق في النكاح غير الطرق المشهورة وهي أنه إن كان غيورا فيلى وإلا فلا

993 المظفر بن أردشير بن أبي منصور العبادي أبو منصور الواعظ

من أهل مرو

وكان يعرف بالأمير كان من أحسن الناس كلاما في الوعظ وأرشقهم عبارة

وقد سمع من نصر الله بن أحمد الخشنامي وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي وعبد الغفار الشيروي وزاهر بن طاهر وعبد المنعم بن القشيري وغيرهم

وقدم بغداد رسولا من جهة السلطان سنجر فسمع منه أبو محمد الأخضر وغيره

ومن كلامه لا تظنوا أن حيات تجيء إلى القبور من خارج إنما أفعالكم أفعى لكم وحياتكم ما أكلتم من الحرام أيام حياتكم

قال أبو سعد فيه له اليد الباسطة في الوعظ والتذكير والعبارة الرائقة الرشيقة وكان نشؤة من صغره إلى أن ترعرع في هذا الفن إلى أن صار ممن يضرب به المثل في حسن الصنعة وإيراد الكلام وهو حلو العبارة فصيح اللهجة لطيف الإشارة مليح الاستعارة شهد له الكل بأنه حاز قصب السبق في هذا النوع انتهى

وقال أيضا سألته عن مولده فقال في رمضان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

ومات في سلخ ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وخمسمائة بعسكر مكرم كان قد توجه إليها رسولا

994 المظفر بن الحسين بن المظفر بن عبيد الله المفضلي أبو غانم

من أهل بروجرد

تفقه ببغداد على السيد أبي القاسم الدبوسي وسمع قاضي القضاة أبا بكر الشامي وأبا نصر الزينبي وغيرهما

كتب عنه ابن السمعاني وقال سألته عن مولده فقال في عاشر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وأربعمائة

قال وتوفي بعد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

995 مظفر بن القاسم بن المظفر بن علي الشهرزوري أبو منصور بن أبي أحمد

ولد بإربل ونشأ بالموصل وتفقه ببغداد على أبي إسحاق الشيرازي ورجع إلى الموصل ثم ولى قضاء سنجار على كبر سنه وسكنها وكان قد أضر

وسمع أبا نصر الزينبي وأبا إسحاق الشيرازي وغيرهما

روى عنه ابن السمعاني

مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة ولم أعلم تاريخ وفاته وقال شيخنا الذهبي توفي تقريبا سنة ست وثلاثين وخمسمائة

996 مكي بن علي بن الحسن العراقي الحربي أبو الحرم الضرير

تفقه ببغداد على أبي منصور الرزاز وبدمشق على أبي الحسن السلمي ودرس في دمشق

ومات في شعبان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

997 ملكداد بن علي بن أبي عمرو والعمركي أبو بكر

من أهل قزوين

وربما سمى نفسه عبد الله

كان من أئمة المذهب تفقه على محي السنة البغوي وكان من جلة المتورعين

قال ابن السمعاني مفت ورع حسن السيرة سمع بنيسابور أبا بكر بن خلف وبهراة أبا عطاء المليحي وبأصبهان أبا علي الحداد وببغداد البانياسي كتب لي بجميع مسموعاته وسمعت أبا الحسن علي بن محمد بن جعفر الكاتب يقول كان إذا أراد أن يكتب الفتوى استخار الله تعالى وقرأ آيات من القرآن وسأل الإصابة هذا كلام ابن السمعاني وابن النجار أخل بذكره في الذيل

وقد ذكره الإمام الرافعي في كتابه الأمالي بعد أن أسند رواية والده عنه وقال إمام خطير قنوع ملازم لسيره السلف الصالحين وهديهم وأفتى بقزوين سنين على الصواب وقال كان يكتب في كل صفحة على الحاشية العليا رب يسر لا يغفل ذلك على كثرة ما كتب على تعاليقه من الأصول والفروع مذهبا وخلافا ومن كتب الحديث واللغة وغيرها ومات ابنه محمد بن ملكداد في عنفوان الشباب وهو فاضل حسن المنظر والمخبر قال فبلغني من قوة الشيخ وتسليمه أنه حضر الجامع بكرة على عادته لإلقاء الدروس فأتته زليخا بنت القاضي أبي سعد الطالقاني وهي جدتي أم أبي وكانت تحته حينئذ فأخبرته بوفاته فأمرها بتجهيزه ولم يذكر الحال للحاضرين حتى فرغ من درسه ثم قال إن محمدا قد دعي فأجاب فمن أراد فليحضر الصلاة عليه وذكر الرافعي أيضا أن الشيخ ملكداد علق عن صاحب التهذيب مجموعة بعبارة أكثر مما يوجد في التصنيف وبزيادة فروع ومسائل

قال وتفقه أيضا على القاضي أبي سعد الهروي

قال وكان محصلا طول عمره حافظا كثير البركة تخرج به جماعة من أهل البلد وغيرهم ومدحه محمد بن أبي الربيع الغرناطى بقصيده قال فيها

إذا قرأ التنزيل أذعن حاسد ** لخير إمام لا ينوه بالدعوى

وإن أسند الأخبار عن سيد الورى ** يقول له الإسلام فخرا كذا يروى

وإن قام في محرابه بادي الضنا ** وطول قلت الغصن جف فما يلوى

يمد يديه شاكيا سوء ماجنى ** إلى خير مرفوع إليه يد الشكوى

يقول إلهي هب لي الآن زلتي ** وما استدرج الشيطان منى وما استهوى

فذاك الفتى كل الفتى ليس عنده ** يسود لدى التحصيل إلا فتى التقوى

توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

وكان والدي يديم ذكره والثناء عليه ويقول رباني كما يربي الوالد الشفيق ولده وكان أستاذه في الأدب وجميع السير في الأخلاق كما كان أستاذه في الفقه والحديث ولم يسافر مدة حياته احتراما له وتبركا بأنفاسه

هذا كله كلام الرافعي

998 منصور بن أحمد بن المفضل بن نصر بن عصام المنهاجي الإسفزاري أبو القاسم

قال ابن السمعاني كان فقيها متورعا حسن السيرة ظهر له القبول التام بالجبال وبنى بهمذان ونواحيها خانقاهات وكثر عليه المريدون وازدحم عليه الناس

تفقه بمرو على الإمام أبي المظفر السمعاني وقتل فتكا على باب الخانقاه يوم الاثنين وقت الإسفار رابع عشر شوال سنة اثنتين وخمسمائة بهمذان

999 منصور بن الحسن بن علي بن عادل بن يحيى بن البوازيجي

من أهل البوازيج بفتح الباء المنقوطة بواحدة وفتح الواو وكسر الزاي بعد الألف وبعدها الياء الساكنة المنقوطة باثنتين من تحتها وبعدها الجيم بلدة قديمة على دجلة فوق بغداد

وهذا الشيخ بجلي ينسب إلى جرير بن عبد الله البجلي

وكان فقيها فاضلا تفقه على الشيخ أبي إسحاق وكان خصيصا به وسمع أبا الحسين ابن المهتدي وغيره وتولى قضاء البوازيج وتوفي بعد استهلال سنة إحدى وخمسمائة

1000 منصور بن الحسن بن منصور الإمام أبو المكارم الزنجاني

نزيل بغداد ومعيد النظامية ومدرس المدرسة الثقتية بها إمام مناظر عارف بالمذهب

توفي في رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة

1001 منصور بن علي بن إسماعيل بن المظفر المخزومي الطبري الصوفي الواعظ

ولد بآمل طبرستان ونشأ بمرو وتفقه على الإمام أبي الحسن علي بن محمد المروزي وبنيسابور علي محمد بن يحيى وكان مليح الكلام في المناظرة وأقبل على الوعظ والتصوف

وسمع من زاهر بن طاهر وعبد الجبار بن محمد الخواري وعلي محمد المروزي

سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي ويوسف بن خليل الحافظ وأخوه إبراهيم وطائفة

مولده سنة خمس عشرة وخمسمائة ومات بدمشق في ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة

1002 منصور بن محمد بن سعيد بن مسعود بن عبد الله بن مسعود ابن أحمد بن محمد بن مسعود المسعودي أبو المظفر بن أبي الفضل

من أهل مرو

قال ابن السمعاني كان أحد الفضلاء المبرزين وأحد الزهاد الأجلاء قرأ الأدب وبرع فيه وكان حسن الخط كثير المحفوظ مليح الشعر والنثر يعظ في عشيات الثلاثاء اقتداء بوالده وكان من المختصين بعمى الإمام رحمه الله

انتهى

سمع بمرو أبا المظفر بن السمعاني وغيره وبنيسابور عبد الغفار الشيروي وغيره

روى عنه ابن السمعاني وغيره

مولده بمرو في منتصف رجب سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بساوة في رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة

1003 منصور بن محمد بن علي أبو المظفر الطالقاني

نزيل مرو

تفقه على الإمام أبي المظفر بن السمعاني وسمع منه ومن الفضل بن أحمد بن متويه الصوفي وإسماعيل بن الحسين العلوي وغيرهم

روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر والحافظ أبو سعد بن السمعاني

توفي في رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة بنواحي أبيورد

1004 منصور بن محمد بن محمد بن الطيب العلوي الفاطمي العمري الشيخ أبو القاسم

الفقيه المناظر الرئيس

مولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة في شهر ربيع الأول بمدينة هراة وسمع بها من جده لأمه أبي العلاء صاعد حفيد أبي منصور الأزدي وغيره وبنيسابور من أبي القاسم القشيري وغيره وحدث روى عنه ابن ناصر والسلفي ويحيى بن بوش

قال ابن السمعاني كان جليل القدر عظيم المنزلة فقيها مناظر أحد الدهاة الأذكياء حسن الكلام مليح المحاورة

وذكره الحافظ أبو محمد الجرجاني وعظمه وقال فيه رئيس العلماء بهراة وقد مات الجرجاني قبله بقريب من أربعين سنة وكان أبو القاسم ذا مال وثروة قال شيخنا الذهبي يقال كان له ثلاثمائة وستون طاحونه

توفي بهراة في شهر رمضان سنة سبع وعشرين وخمسمائة

1005 منصور بن محمد بن منصور بن عبد الله بن أحمد أبو المظفر الغازي المروزي الواعظ

من أهل مرو

قال ابن السمعاني كان فقيها زاهدا ورعا واعظا حسن الوعظ عفيفا حسن السيرة سمع جدي أبا المظفر وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن ثابت الخرقي وغيرهما

كتب عنه ابن السمعاني وقال في التحبير توفي ليلة الأحد ودفن يوم الأحد الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وعشرين وخمسمائة

1006 المؤتمن بن أحمد بن علي بن الحسن بن عبيد الله الساجي الحافظ أبو نصر الربعي الدير عاقولي ثم البغدادي

أحد أعيان الحديث وأثباته واسع الرحلة كثير الكتابة حسن الحفظ زاهد ورع

ولد في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة

وسمع أبا الحسين بن النقور وعبد العزيز بن علي الأنماطي وأبا القاسم بن البسري وأبا نصر الزينبي وإسماعيل بن مسعدة وأبا بكر الخطيب وأبا عمرو عبد الوهاب بن منده وأبا بكر بن خلف وأبا إسماعيل الأنصاري وخلقا ببلاد كثيرة

روى عنه سعد الخير الأنصاري وأبو الفضل بن ناصر وأبو طاهر السلفي وأبو بكرا بن السمعاني وآخرون

قال ابن عساكر سمعت أبا الوقت عبد الأول يقول كان الإمام عبد الله بن محمد الأنصاري يقول لا يمكن أحدا أن يكذب على رسول الله مادام هذا حيا

وسئل السلفي عنه فقال حافظ متقن لم أر أحسن قراءة منه للحديث

قلت كتب الشامل عن ابن الصباغ بخطه وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وكان الشيخ أبو إسحاق يداعبه ويقول

وشيخنا الشيخ أبو نصر ** لا زال في عز وفي نصر

توفي في صفر سنة سبع وخمسمائة ببغداد

1007 موسى بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن سنان بن عطاء ابن عبد العزيز بن عطية بن ياسين بن عبد الوهاب بن سحنان بن عاصم القحطاني المغربي الأغماتي أبو هارون

وأغمات آخر مدينة بالمغرب بينها وبين بحر الظلمات مسيرة ثلاثة أيام

رحل موسى من بلاده إلى ديار مصر والحجاز والعراق والجبال وخراسان إلى أن ورد بلاد ما وراء النهر

قال ابن السمعاني وكان إماما فاضلا مناظرا أقام بنيسابور مدة تفقه على أبي نصر القشيري

وذكره أبو حفص السمرقندي في كتاب القند وقال قدم علينا سنة ست عشرة وخمسمائة وهو شاب فاضل فقيه مناظر بليغ شاعر محدث محاضر وذكر أنه قال فيه هذا

لقد طلع الشمس من غربها ** على خافقيها وأوساطها

فقلنا القيامة قد أقبلت ** فقد جاء أول أشراطها

ومن شعر موسى هذا

لعمر الهوى إني وإن شطت النوى ** لذو كبد حرى وذو مدمع سكب

فإن كنت في أقصى خراسان نازحا ** فجسمي في شرق وقلبي في غرب

1008 موسى بن حمود بن أحمد أبو عمران القاضي عز الدين الماكسيني قاضي ماكسين

قال ابن باطيش درس بهاوأفتى وحكم مدة

قال وله اختيارات في المذهب وترجيحات

مات بماكسين في حدود سنة ستين وخمسمائة

ومن الفوائد عنه

قال القاضي أبو عمران الماكسيني فيما جمع من كلامه حادثة ذهب السيد الأجل كمال الدين حرس الله علوة فيهاإلى مقالة ووافقه عليها جميع فقهاء الموصل وتاج الإسلام وتاج الدين والشيخ الإمام جمال الإسلام أبو القاسم بن البزري وهو الباز الأشهب في علم المذهب وصورتها رجل أقر بأن جميع ما في يده ملك لزيد فلا خلاف في صحة الإقرار وإنما الكلام في انتزاع ما في يد المقر من غير رجوع إلى تفسيره وذلك نبوة الحسام وكبوة الجواد وزلة العالم وقلت في الجواب لا يجوز انتزاع ما في يده حتى الخاتم الذي في إصبعه إلا إذا أقر بذلك والعلة في ذلك أنه أقر بمجهول غير معين ولا معلوم والدليل على أنه مجهول مسائل أربعة لا تسمع دعواه باستحقاق جميع ما في يده لأن الدعوى لا تسمع بمجهول ولو وكله في الإبراء لم يجز حتى يبين الجنس الذي يبرئ منه والقدر نص على هذه صاحب المذهب ونص الغزالي في الوجيز أن التوكيل في الإبراء يستدعي علم الموكل بمبلغ الدين المبرأ منه لا علم الوكيل ولا علم من عليه الحق

الرابع إذا قال أبرأتك من ديني وقدره وصفته هذا من حيث الحكم ومن حيث المعنى إن قوله جميع ما في يدي شامل لجميع ما في يده من ملكه وملك غيره فمراده جميع ما في يدي غير ملكي وملكه من ملك غيره لا يعلم إلا من جهته فهو مجهول

طريقة أخرى

وهي أن اليد متردد بين اليد الحسية والحكمية فاليد الحسية إن أرادها فما اشتملت عليه يده الحقيقية واحتوت عليه راحته ملك للمقر وكان معلوما للمقر وإن قال أردت الحكمية فهو مجهول لأنها تشتمل على حاضر وغائب فدل ذلك على الجهالة ووجب الرجوع إليه في تفسيره انتهى

قلت السيد الأجل كمال الدين وتاج الإسلام وتاج الدين لم أعرفهم وخطر لي أن كمال الدين هو ابن يونس ولكن يعارض هذا أن كمال الدين بن يونس كان صغيرا في زمان القاضي الماكسيني ثم خطر لي أن يكون هذا كلام موسى بن محمد بن موسى بن حمود حفيد موسى ابن حمود وسيأتي في الطبقة السادسة ولكن هذا إنما هو من جمع موسى بن حمود نفسه وذكر ابن البزري فيه دليل على ذلك فإن ابن البزري مات سنة ستين وخمسمائة

ثم أقول هذا الذي أفتى القاضي الماكسيني به يؤيده قول الأصحاب إذا قرأ بجميع ما في يده صح قالوا ثم إذا قال ليس لي مما في يدى إلا الألف صح وعمل بمقتضاه لكن قد ينازع فيه أن الصواب عند النووي والشيخ الإمام رحمه الله في مسألة القاضي أبي سعد عدم القبول وهي ما إذا أقر أنه لا دعوى له على زيد ولا طلبة ثم قال إنما أردت في عمامته أو قميصه لا في ذكره ونسائه

وأقول الحق أنها أربع مسائل إحداها أن يقول لم أرد بما في يدي إلا كيت وكيت وهي مسألة القاضي أبي سعد التي رجح فيها القبول والصواب خلافه لأنه خروج عن ظاهر اللفظ بلا دليل

الثاني أن يقول أردت الكل ولم تكن هذه العين في يدي وقت الإقرار فالقول قوله وبه جزم الرافعي والنووي وغيرهما وقدمنا عن القاضي الحسين في ترجمته ما ينازع فيه

والثالثة أن يقول الذي في يدي ليس منه إلا ألف

فينصرف الإقرار إليها دون غيرها وكأنه في الحقيقة ادعى أن اللفظ وإن شمل شيئا فالشرع لم يساعده بالنسبة إليه لأنه لا ينصرف في مال الغير بالإقرار وهنا وقفة وهي أن إطلاق الرافعي وغيره فيما إذا قال ليس لي مما في يدي إلا ألف أنه يصح ويعمل بمقتضاه فظهر منه في بادىء الرأي أنه يصح الإقرار بالألف دون غيرها وفيه إشكال من جهة أن الإقرار لا يصادف مملوكا للمقر وإنما هو إخبار عن حق سابق فلا بد أن يكون المقر به غير مملوك وقت الإقرار فكيف يصح في الألف دون غيرها والذي ينبغي أن يقال ويحمل عليه كلام الرافعي وغيرها أنه يصح في غيرها دونها وتقع هي مستثناه من المقر به لأن المقر به مقصور عليها فليتأمل ذلك

والصورة الرابعة أن يقر بما في يده ولا يدعى بعد ذلك شيئا بل يسكت أو يموت فهل يقدم على انتزاع ما في يده أو يتوقف إلى أن يفسر بما يشاء هذه مسألة القاضي الماكسيني والذي يظهر فيه الخلاف قوله وأنه ينتزع نعم إن تنازع المقر له والورثة في شيء هل كان في يده وقت الإقرار فيها خلاف بين القاضي الحسين والبغوي قدمناه في ترجمة القاضي

وقوله إنه أقر بمجهول ممنوع إنما هذا اللفظ عام لا جهالة فيه واستشهاده بأنه لا تصح الدعوى باستحقاق جميع ما في يده ممنوع أيضا ولكنه بناه على ما في ذهنه من أن هو إقرار بمجهول وليس كذلك هو معلوم في نفسه مدلول عليه بلفظ عام ويصح الإقرار به والدعوى به

وقوله لا تسمع الدعوى بمجهول إلا في الوصية قلنا أولا هذا ليس بمجهول وثانيا هذا اقتصار على عبارة التنبيه والصحيح سماع الدعوى بالمجهول إذا أقر به بتاتا لمجهول صحيح وهو المذهب وقد صرحوا باستثناء الإقرار بالمجهول ومسائل أخر عن الوصية من قولهم الدعوى بمجهول لا تسمع ونص الأصحاب على أنه لو قال جميع ما لي صدقة صار جميعه صدقة ولو نذر التصدق بجميع ماله لزمه كله

وأما قوله لو وكله في الإبراء لم يجز حتى يبين ونظير مسألتنا أن يقول وكلتك في الإبراء من ديوني والمذهب صحة الوكالة

وأما قوله إذا قال أبرأتك من ديني أو من جميع ديوني لم يصح ما لم يعين جنس الدين وقدره وصفته فالفرق أن ذلك عقد تمليك وكذلك يقول في وهبتك جميع ما في يدي وعقد التمليك يشترط فيه ما يشترط في البيع من العلم بخلاف الإقرار ونحوه

1009 المهدي بن محمد بن إسماعيل بن المهدي أبو البركات العلوي

ولد بأصبهان ونشأ ببغداد

قال ابن السمعاني وكان واعظا مليح الوعظ حسن العبارة سمع ببغداد ابن البطر والحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وشجاع بن فارس الذهلي وغيرهم

ولد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

قال ابن السمعاني خسف بجنزه في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وهلك فيها عالم كثير وخلق من المسلمين منهم المهدي بن محمد بن إسماعيل

1010 المهدي بن هبة الله بن المهدي الخليلي أبو المحاسن

من أهل قزوين

قال ابن السمعاني إمام فاضل ورع متدين دائم العبادة كثير التلاوة قوال بالحق داع إليه مبالغ في الوضوء والنظافة

تفقه ببغداد على أسعد الميهني وعلق بالبصرة التعليقة عن القاضي عبد السلام ابن الفضل الجيلي وقرأ المقامات على منشئها أبي محمد الحريري

قال وورد علينا خراسان فتفقه على شيخنا عمر بن علي الشيرزي ثم ترك مخالطة الفقهاء وانزوى عند الإمام يوسف بن أيوب الهمذاني

قال وكتبت عنه حديثا واحدا عن الحسين بن مسعود الفراء البغوي

توفي في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

1011 الموفق بن علي بن محمد بن ثابت بن أحمد الخرقي الثابتي الفقيه أبو محمد

تفقه على البغوي صاحب التهذيب وعلى أبي بكر بن أبي المظفر بن السمعاني وقرأ الخلاف ببخارى على أبي بكر الطبري

قال ابن السمعاني كان فقيها فاضلا ورعا زاهدا متواضعا لم أر في أهل العلم مثله خلقا وسيرة وكان إذا جلس بين الخواص والعوام لا يعرف به أحد من العلماء وكان يصوم أكثر أيامه فإذا دخل إليه من يزوره يقدم إليه ما حضر من مأكول ويوافقه ويأكل ولا يرى أنه كان صائما

قال وكان يحفظ المذهب كتبت عنه شيئا يسيرا بخرق وتوفي بها يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين وخمسمائة

1012 مودود بن محمد بن مسعود النيسابوري الفقيه الإمام

وهو أخو الإمام قطب الدين النيسابوري

تفقه بخراسان ثم وفد على أخيه بدمشق ثم خرج إلى ناحية الموصل وجلس يوما على نهر يتوضا فغرق وذلك في سنة أربع وخمسين وخمسمائة

أرخه ابن باطيش

1013 المؤمل بن مسرور بن أبي سهل بن مأمون الشاشي الشيخ الصالح أبو الرجاء الخمركي المأموني

من أهل الشاش

ولادته فيما يظن ابن السمعاني قبل الأربعين والأربعمائة وسكن مرو إلى حين وفاته وكان تفقه ببخارى على أبي الخطاب الطبري وعلي فقيه الشاش أبي بكر محمد بن علي الشاشي بغزنة وسمع الرئيس أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الرقي وأبا يعقوب يوسف ابن منصور السياري الحافظ وأبا عبد الله إبراهيم بن علي الطبري والد أبي الخطاب وأبا محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي الحافظ وأبا المظفر بن السمعاني وغيرهم

وتوفي بمرو ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمسمائة

وكان من الصالحين أرباب العبادات والمجاهدات مقيما في رباط يعقوب الصوفي بمرو يقصده الناس للتبرك به

1014 ناصر بن سلمان بن ناصر بن عمران بن محمد أبو الفتح بن أبي القاسم الأنصاري النيسابوري

مولده سنة تسع وثمانين وأربعمائة

سمع أباه وأبا الحسن المديني المؤذن والفضل بن عبد الواحد التاجر وغيرهم

روى عنه أبو سعد بن السمعاني وولده عبد الرحيم بن أبي سعد

قال أبو سعد كان إماما مناظرا بارعا في الكلام حاز قصب السبق فيه على أقرانه وصار في عصره أوحد ميدانه وصنف التصانيف وترسل من جهة السلطان سنجر إلى الملوك وكان صاحب أوقاف الممالك وكان لا يتورع عن مال الوقف

مات في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بمرو

1015 نبا بن محمد بن محفوظ القرشي المعروف بابن الحوراني الشيخ أبو البيان

شيخ الطائفة البيانية المنسوبة إليه بدمشق

سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وأبا الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي وغيرهما

روى عنه يوسف بن عبد الواحد بن وفاء السلمي والقاضي أسعد بن المنجا والفقيه أحمد العراقي وعبد الرحمن بن الحسين بن عبدان وغيرهم وكان إماما عالما عابدا قانتا زاهدا ورعا يعرف اللغة والفقه والشعر له نظم كثير ومجاميع حسان وتصانيف مفيدة وله ذكر حسن يذكر إلى الآن في الرباط المنسوب إليه بدمشق ومناقبه كثيرة وفضائله مشهورة وبركاته معروفة

وعن الشيخ عبد الله البطائحي قال رأيت الشيخ أبا البيان والشيخ رسلان مجتمعين بجامع دمشق فسألت الله أن يحجبني عنهما حتى لا يشغلا بي وتتبعتهما حتى صعدا إلى أعلى مغارة الدم وقعدا يتحدثان فإذا بشخص قد أتى كأنه طائر في الهواء فجلسا بين يديه كالتلميذين وسألاه عن أشياء من جملتها أعلى وجه الأرض بلد ما رأيته فقال لا فقالا هل رأيت مثل دمشق قال ما رأيت مثلها

وكانا يخاطبانه يا أبا العباس فعلمت أنه الخضر

توفي الشيخ أبو البيان وقت الظهر يوم الثلاثاء في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ودفن بباب الصغير وقبره هناك يزار

وهذا الرباط الذي ينسب إليه إنما أنشىء بعد موته بأربع سنين اجتمع أصحابه على بنائه ويحكى أنهم لما اجتمعوا لذلك أرسل إليهم الملك نور الدين الشهيد يمنعهم فلما جاء رسوله خرج إليه واحد يقال له الشيخ نصر فقال له أنت رسول محمود تمنع الفقراء من البناء قال نعم قال ارجع إليه وقل له بعلامة ما قمت في جوف الليل وسألت الله في باطنك أن يرزقك ولدا ذكرا من فلانة لا تتعرض إلى جماعة الشيخ ولا تمنعهم فعاد الرسول إلى نور الدين وحكى له ذلك فقال والله العظيم ما تفوهت بهذا لمخلوق ثم أمر بعشرة الآف درهم ومائة حمل خشب فبنى بها الرباط ووقف عليه مكانا بحرين

ووقفت من مصنفاته على قصيد نظم فيها الصاد والضاد وعلى قصيدة عزز فيها بيتي الحريري اللذين أولهما سم سمة بأبيات أخر وذكر فيها أن الحامل له على ذلك تجري الحريري ومبالغته في الدعوى وشرحها شرحا مطولا منها

لا فمه زينه بائن ** ولا حجاه إن يقل لا فمه

لا عمه يملكه أو هدى ** فقل من الدنيا لمن لاع مه

ثم ذكر أبياتا في استحسان هذين وتفضيلهما على بيتي الحريري ثم قال

بل سمه منك عن المكر محمود ** ولو مع سمه بلسمه

1016 نصر بن نصر بن علي بن يونس العكبري أبو القاسم الواعظ

سمع أبا القاسم علي بن أحمد بن البسري وأبا الحسين عاصم بن الحسن العاصمي والوزير نظام الملك وغيرهم

مولده في منتصف المحرم سنة ست وستين وأربعمائة وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة

1017 نصر الله بن محمد بن عبد القوي الشيخ أبو الفتح المصيصي ثم اللاذقي ثم الدمشقي الإمام فقها وأصولا وكلاما

مولده سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

ونشأ بصور وسمع بها من أبي بكر الخطيب وعمر بن أحمد العطار الآمدي والفقيه نصر المقدسي وتفقه عليه وسمع بدمشق أبا القاسم بن أبي العلاء وغيره وببغداد عاصم بن الحسن ورزق الله بن عبد الوهاب وبأصبهان نظام الملك الوزير وغيره

وبالأنبار أبا الحسن علي بن محمد بن محمد بن الأخضر

روى عنه الحافظ أبو القاسم وولده القاسم بن عساكر وابن السمعاني ومكي ابن علي العراقي والخطيب أبو القاسم الدولعي والخضر بن كامل المعبر وأبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني وهبة الله بن الخضر بن طاوس وجماعة آخرهم أبو المحاسن بن أبي لقمة

وقرأ بصور علم الكلام على أبي عبد الله محمد بن عتيق القيرواني ثم سكن دمشق ودرس بالزاوية الغربية وهي الغزالية بعد وفاة شيخه الفقيه نصر وبه كثرت أوقافها لأن كثيرا من الناس وقفوا عليه ثم بعده عليها ومنهم من وقف عليها ابتداء بواسطته وهو أيضا وقف شيئا جيدا

1018 نصر الله بن منصور بن سهل الجنزي أبو الفتح الدويني بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي أخرها النون نسبة إلى دوين بلدة من أذربيجان

وكان هذا الشيخ يلقب بالكمال

قال ابن السمعاني كان فقيها صالحا مستورا تفقه ببغداد على أبي حامد الغزالي وانتقل إلى خراسان وسكن نيسابور ثم مرو ثم بلخ إلى أن توفي بها سمع بنيسابور أبا الحسن علي بن أحمد المديني وأبا بكر أحمد بن سهل السراج وعبد الواحد القشيري وغيرهم

وحدث ببلخ

كتب عنه أبو سعد بن السمعاني وانتخب عليه جزأين وقال مات ببلخ في أواخر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة

1019 واثق بن علي بن الفضل بن هبة الله

الشيخ أبو القاسم ابن فضلان وربما قيل في اسمه يحيى وذلك أنه غير اسمه في آخر الأمر بيحيى وابن النجار أورده فيمن اسمه يحيى وأورده ابن باطيش والحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي في معجمه كما أوردناه

كان من أئمة الفقهاء وأعلام العلماء وفرسان الجدل

سمع إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي ومحمد بن ناصر وأبا الكرم بن الشهرزوري وغيرهم

روى عنه يوسف بن خليل وغيره

وتفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز ثم بخراسان على محمد بن يحيى وأقام عنده بنيسابور مدة يتفقه عليه وكان محمد بن يحيى يعجبه كلامه ويستحسن إيراده

مولده في سنة سبع عشرة وخمسمائة وتوفي في شعبان سنة خمس وتسعين وخمسمائة

1020 هاشم بن علي بن إسحاق بن القاسم الأبيوردي أبو القاسم من أهل أبيورد

قال ابن السمعاني فقيه فاضل عالم تفقه على الإمام أبي المعالي الجويني وسمع ببغداد ابن البطر وبمكة الحسين بن علي الطبري وبنيسابور أبا بكر بن خلف وبآمل أبا المحاسن الروياني وغيرهم

ولد بعد الخمسين وأربعمائة بأبيورد وتوفي في الخامس من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة بأبيورد

1021 هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس أبو محمد بن أبي البركات المقرىء

إمام جامع دمشق

سمع أباه ونصر المقدسي وجماعة بدمشق وسافر فسمع رزق الله والبانياسي وغيرهما بالعراق وأصبهان وكان قد خرج من دمشق إلى العراق وأصبهان صحبه أبيه والفقيه نصر الله في رسالة من تاج الدولة تتش إلى السلطان ملك شاه

روى عنه الحافظ ابن عساكر والسلفي وابن السمعاني وغيرهم

وكان مولده في صفر سنة إحدى وستين وأربعمائة

1022 هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الإمام صائن الدين بن عساكر وهو أخو الحافظ وكان الأكبر ولد في رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

وقرأ القرآن بالروايات وسمع أبا القاسم النسيب وأبا طاهر الحنائي وأبا الحسن ابن الموازيني وأبا علي بن المهدي وأبا الغنائم المهتدي بالله وأبا طالب الزينبي وخلقا

ووجد له سماع من أبي الحسن بن أبي الخير والراوي عن أبي الحسن ابن السمسار فلم يحدث به ورعا وقال لا أحق هذا الشيخ

روى عنه أخوه الحافظ أبو القاسم وابنه القاسم بن أبي القاسم وأبو سعد بن بن الأمناء الحسن وشيخ الشافعية فخر الدين وتاج الأمناء أحمد وأبو نصر عبد الرحيم وأبو القاسم بن صصرى وآخرون

تفقه بدمشق على أبي الحسن بن المسلم وعلى الفقيه نصر الله بن محمد وعلق ببغداد الخلاف علي أسعد الميهني وأخذ الأصول عن أبي الفتح بن برهان وأعاد بالأمينية لشيخه أبا الحسن السلمي ودرس بالغزالية وأفتى وكتب الكثير وعرضت عليه الخطابة وغيرها فامتنع وكان خاله أبو المعالي ابن الزكي يجتهد في أن ينوب عنه في القضاء فلا يفعل وكان إماما ثقة ثبتا دينا ورعا وله شعر كثير

توفي في شعبان سنة ثلاث وستين وخمسمائة

1023 هبة الله بن سعد بن طاهر أبو الفوارس

سبط أبي المحاسن الروياني صاحب البحر

من أهل آمل طبرستان

سمع جده أبا المحاسن وأبا علي الحسن بن أحمد الحداد وغيرهما

سمع منه أبو بكر المبارك بن كامل الخفاف وأخرج عنه معجمه ودرس بالنظامية التي بآمل

ولد سنة سبعين وأربعمائة وتوفي سنة سبع وأربعين وخمسمائة

قال أبو الفوارس سمعت جدي أبا المحاسن الروياني يقول الشهرة آفة وكل يتحراها والخمول راحة وكل يتوقاها

1024 هبة الله بن سهل بن عمر بن القاضي أبي عمر البسطامي النيسابوري

المعروف بالسيدي نسبة إلى السيد أبي الحسن محمد بن علي الهمذاني المعروف بالوصي كان هبة الله حفيده ينسب إليه

وكان هبة الله يكنى أبا محمد وكان ختن إمام الحرمين على ابنته

ولد في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

قال ابن السمعاني فقيه عالم خير كثير العبادة والتهجد لكنه عسر الرواية لصعوبة خلقه

سمع أبا حفص عمر بن مسرور وأبا الحسين عبد الغافر الفارسي وأبا عثمان البحيري وأبا سعد الكنجروذي وأبو سعيد محمد بن علي بن محمد الخشاب وأبا بكر البيهقي وأبا يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني وأبا القاسم القشيري وجده أبا المعالي عمر بن محمد البسطامي وغيرهم

روى عنه الحافظان ابن عساكر وابن السمعاني والمؤيد الطوسي وغيرهم وأجاز لأبي القاسم بن الحرستاني وغيره

توفي بنيسابور وقت الصبح يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ودفن بالحيرة

1025 هبة الله بن علي بن إبراهيم بن محمد

1026 هبة الله بن أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد البخاري

أبو المظفر ابن عم قاضي القضاة أبي طالب

فقيه متكلم ولاه أمير المؤمنين الناصر لدين الله نيابة الوزارة

مات سنة ثمانين وخمسمائة

1027 هبة الله بن أبي المعالي معد بن عبد الكريم الفقيه أبو القاسم بن البوري القرشي الدمياطي

تفقه بدمشق على ابن أبي عصرون وببغداد على أبي طالب صاحب بن الخل ودرس بالإسكندرية بمدرسة السلفي مدة

توفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة

وبورة بليدة صغيرة بقرب دمياط ينسب إليها السمك البوري

1028 هبة الله بن يحيى بن الحسن أبو جعفر بن البوقي الواسطي العطار

تفقه على القاضي أبي علي الفارقي وسمع أبا بكر الأنصاري وغيره وكان فقيها مناظرا بارعا في المذهب والفرائض والخلاف وحدث ببغداد

روى عنه ابن الأخضر وغيره

قال فيه ابن السمعاني كان إماما فاضلا سديد الفتاوي قيما بمذهب الشافعي متدينا كثير العبادة صام أربعين سنة دائما مولده في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وتوفي في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بواسط

1029 هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن ابن محمد بن عبد الملك القشيري أبو الأسعد بن الشيخ أبي سعيد بن الأستاذ أبي القاسم

قال ابن السمعاني خطيب نيسابور ومقدم القشيرية بها أحضر على جده أبي القاسم وسمع أباه وعميه أبا منصور عبد الرحمن وأبا سعد عبد الله وأبا صالح المؤذن وجدته فاطمة بنت الدقاق وطائفة

روى عنه السمعاني وابنه أبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني والحافظ ابن عساكر والمؤيد بن محمد الطوسي وآخرون

مولده في العشرين من جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة وكان أسند من بقي بخراسان في زمانه

توفي في ثالث عشر شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة

1030 هبة الكريم بن خلف بن المبارك بن البطر أبو نصر المعروف بابن الحنبلي البغدادي البيع

تفقه على أسعد الميهني وسمع أبا الخطاب بن البطر

روى عنه ابن السمعاني

توفي في ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

1031 يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد أبو الفضل الطنزي الخطيب الحصكفي الأديب الفقيه

ولد بطنزة بليدة صغيرة بديار بكر ونشأ بحصن كيفا فنسب إليها

دخل بغداد وتفقه بها وقرأ الأدب على الخطيب التبريزي ثم رجع إلى بلاده واستوطن ميافارقين وولى الخطابة بها وأفتى الناس وشغلهم بالعلم وصنف عمدة الاقتصاد في النحو وغيرها

ذكره العماد الكاتب فقال كان علامة عصره ومعرى العصر في نظمه ونثره وله الترصيع البديع والتجنيس النفيس وعدد من محاسنه ومن شعره

أشكو إلى الله من نارين واحدة ** في وجنتيه وأخرى منه في كبدي

ومن سقامين سقم قد أحل دمي ** من الجفون وسقم حل في جسدي

ومن نمومين دمعي حين أذكره ** يذيع سرى وواش فيه بالرصد

ومن ضعيفين صبري حين أندبه ** ووده ويراه الناس طوع يدي

مهفهف رق حتى قلت من عجب ** أخصره خنصرى أم جلده جلدي

وقال جامعا أسماء القراء السبعة في بيت والأئمة الستة في بيت

جمعت لك القراء لما أردتهم ** ببيت تراه للأئمة جامعا

أبو عمرو عبد الله حمزة عاصم ** على ولا تنس المديني نافعا

وإن شئت أركان الشريعة فاستمع ** لتعرفهم واحفظ إذا كنت سامعا

محمد والنعمان مالك أحمد ** وسفيان واذكر بعد داود تابعا

1032 يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري أبو طاهر القاضي تاج الدين

ولد يوم الجمعة ثاني عشر شهر رجب سنة خمس وتسعين وأربعمائة

قال ابن باطيش وتفقه وبرع في الفقه ومات ليلة الإثنين تاسع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة

1033 يحيى بن علي بن الحسن الحلواني البزار أبو سعد

وربما قيل في اسم والده بندار

كان من أئمة الفقهاء

قرأ المذهب والخلاف والأصول على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وصنف كتابا سماه التلويح في المذهب وولى حسبة بغداد ثم عزل عنها وولى تدريس النظامية

وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة وأبي الحسين بن النقور وأبي الخطاب بن البطر وشيخه أبي إسحاق وغيرهم

روى عنه ابن السمعاني وغيره

وكان مولده في ذي الحجة سنة خمسين أو إحدى وخمسين وأربعمائة وأرسله أمير المؤمنين المسترشد بالله إلى الخاقان محمد بن سليمان صاحبها ما وراء النهر ليفيض عليه الخلع فتوفي هناك بسمرقند في شهر رمضان سنة عشرين وخمسمائة

انتهى ومن شعره

مررت بخباز أحاول حاجة ** مدلا عليه أي بأني عالم

فلما رآني قال أهلا ومرحبا ** ظفرت بما تهوى فأين الدراهم

فقلت معي كيس ونقص وخاطري ** يجيش فصولا كلهن لوازم

فقال ومن هذي الذخائر عنده ** يحاول عندي حاجة ويساوم

لعمرك لو بعت الجميع بلقمة ** لما كنت ممن في الشراء يخاصم

1034 يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن محمد بن الحسين القاضي أبو الفضل

قاضي دمشق ويعرف بابن الصائغ

ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ذكره في تبينيه الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر وذكر أنه تفقه بدمشق على القاضي المروزي وصحب الفقيه نصر المقدسي ثم تفقه ببغداد على أبي بكر الشاشي وسمع عبد العزيز الكتاني وحيدرة بن علي وأبا القاسم بن أبي العلاء وعبد العزيز بن طاهر التميمي وغيرهم

روى عنه القاسم بن الحافظ وعبد الخالق بن أسد وجماعة

1035 يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد أبو طاهر الضبي المحاملي البغدادي

كان فقيها كبيرا وله مصنف في الفقه وكان ورعا كثير العبادة

سمع أبا جعفر بن المسلمة وأبا الحسين بن النقور وغيرهما

روى عنه جماعة جاور بمكة وتوفى بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

1036 يحيى بن المفرج أبو الحسين اللخمي المقدسي

1037 يحيى بن أبي الخير بن سالم بن سعيد بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عمران العمراني اليماني الشيخ الجليل أبو الحسين

شيخ الشافعيين بإقليم اليمن صاحب البيان وغيره من المصنفات الشهيرة

ساق ابن سمرة في تاريخ اليمنيين نسبة إلى آدم عليه السلام

ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة

تفقه على جماعات منهم خالة الإمام أبو الفتوح بن عثمان العمراني ومنهم الإمام زيد ابن عبد الله اليفاعي وسمع الحديث من جماعة من أهل اليمن

وكان إمام زاهدا ورعا عالما خيرا مشهور الاسم بعيد الصيت عارفا بالفقه والأصول والكلام والنحو أعرف أهل الأرض بتصانيف أبي إسحاق الشيرازي الفقه والأصول والخلاف يحفظ المهذب عن ظهر قلب وقيل كان يقرؤه في ليلة واحدة

قال ابن سمرة وكان ورده في الليلة أكثر من مائة ركعة بسبع من القرآن العظيم وانتقل إلى ذي أشرق في سنة سبع عشرة وخمسمائة وتزوج بها أم ولده القاضي طاهر وابتدأ بتصنيف البيان في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وفرغ من تصنيفه سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وابتدأ بتصنيف الزوائد في سنة سبع عشرة وخمسمائة فمكث فيها أربع سنين إلا قليلا وكان ذلك منه بإشارة شيخه زيد اليفاعي وحج من ذي أشرق وناظر بمكة الشريف محمد بن أحمد العثماني في مسائل من علمي الفقه والكلام ثم زار قبر النبي ثم عاد إلى اليمن

وهذا الشريف العثماني نقل عنه في البيان في مواضع وهي غريبة

وأقام بذي أشرق يدرس المذهب وينشر العلم إلى سنة تسع وأربعين وخمسمائة

وكان من أحسن العلماء تعليما قيل كان يقرر للطالب الفصل من المهذب ثم يعيده هو على الطالب حفظا ثم ينبهه على خلاف مالك وأبي حنيفة خاصة وقد يذكر معهما غيرهما ثم يذكر احترازات المهذب ثم يذكر الأدلة ويقرر الأقيسة بأوضح عبارة ويكررها بعبارات مختلفة إلى أن ترسخ في ذهن الطالب

ثم في أخر سنة تسع وأربعين تعذر سكناه بالبلدة التي كان فيها أظن أن اسمها سير لفتن وحروب اتفقت هناك وانتقل إلى ذي السفال ثم إلى ذي أشرق فأقام بذي أشرق سبع سنين

قال ابن سمرة فجرى في السنة الرابعة من هذه السبع بين الفقهاء تباغض وتحاسد وتكفير من فقهاء ذي أشرق لفقهاء زبيد حكى ابن سمرة بعضها ثم ذكر أن صاحب البيان انتقل إلى ذي السفال فمات بها مبطونا شهيدا في ربيع الآخر قبل الفجر من ليلة الأحد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ولم يترك صلاة في مرض موته وكان نزعه ليلتين ويوما بينهما يسأل عن كل وقت صلاة ويصلي بالإيماء

وفيه يقول بعضهم

لله شيخ من بني عمران ** قد سادنا بالعلم بالأركان

يحيى لقد أحيا الشريعة هاديا ** بفوائد وغرائب وبيان

هو درة اليمن الذي ما مثله ** من أول في عمرنا أو ثاني

ومن تصانيفه البيان والزوائد والاحترازات وغرائب الوسيط ومختصر الإحياء وله في علم الكلام كتاب الانتصار في الرد على القدرية

1038 يعيش بن صدقة بن علي أبو القاسم الفراتي الضرير

صاحب أبي الحسن بن الخل

قال ابن النجار كان من أئمة أصحاب الشافعي ومن العلماء العاملين بعلمهم وممن يقتدى به في الزهد والورع وحسن الطريقة تفقه على ابن الخل وسمع أبا القاسم إسماعيل بن عمر بن أحمد السمرقندي وأبا القاسم نصر بن نصر بن العكبري وأبا بكر محمد ابن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني وغيرهم

روى عنه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي

قال وتوفي في ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

1039 يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان الدويني الأصل التكريتي المولد

ودوين بضم الدال وكسر الواو بعدها آخر الحروف ساكنة ثم نون بطرف أذربيجان من جهة أران أهلها أكراد

وهو السلطان الملك الناصر التقى النقي العالم الذكي العادل الزكي فاتح الفتوح بركة أهل زمانه صلاح الدين المظفر ابن الأمير الملك الأفضل نجم الدين

ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بتكريت إذ أبوه واليها

وسمع الحديث من الحافظ أبي طاهر السلفي وأبي طاهر بن عوف والشيخ قطب الدين النيسابوري وعبد الله بن بري النحوي وجماعة

روى عنه يونس بن محمد الفارقي والعماد الكاتب وغيرهما

وكان فقيها يقال إنه كان يحفظ القرآن والتنبيه في الفقه والحماسة في الشعر

وملك البلاد ودانت له العباد وأحبه الخلق ونصر الإسلام وغزا الفرنج وكسرهم مرات وفتح المدن الكبار وأقام في السلطنة أربعا وعشرين سنة يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله

وكان ملكا عظيما شجاعا مهيبا عادلا يملأ العيون روعة والقلوب محبة قريبا بعيدا عابدا قانتا لله لا تأخذه لومة لائم مجلسه يجمع الفضلاء والفقراء وأصحابه كأنما هم على قلب رجل واحد محبة فيه واعتقادا وطواعية

ولقد صنف في سيرته القاضي ابن شداد كتابا مستقلا وصنف ابن واصل كتابا في سيرته وسيرة أهل بيته وصنف أبو شامة في سيرته وسيرة الملك نور الدين وصنف العماد الكاتب في فتوحاته وصنف آخرون في شأنه وما عسى الذي نورده بعد ما أطال هؤلاء ثم اعترفوا بالقصور والتقصير في حق هذا السيد الكبير ولنأت بما فيه مقنع وبلاغ

ذكر ابتداء أمره قبل ملكه

قدم به أبوه إلى دمشق وهو رضيع فناب أبو ببعلبك لما أخذها أتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين وقيل إن أباه خرج من تكريت في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتطيروا به وقال بعضهم لعل فيه الخيرة وأنتم لا تعلمون فكان كذلك ثم اتصل والده نجم الدين أيوب بالملك نور الدين الشهيد فخدمه هو وولده صلاح الدين هذا خدمة بالغة وكان أسد الدين شيركوه أخو نجم الدين عند نور الدين قبلهما وكان أرفع عنده منهما منزلة فإنه كان مقدم جيوشه فلما تخلخل حال المصريين الفاطميين وضعفوا عن مقاواة الفرنج وكادت الفرنج تملك القاهرة وملكوا بلبيس وصيروا لهم بالقاهرة شحنة يحكم وضعف أمر الإسلام بديار مصر جدا وكان الفاطميون قد بلغوا في سوء السيرة إلى الحد المعروف وأفتى علماء الإسلام بإباحة دمائهم ووجوب قتالهم لما هم عليه من الزندقة والإلحاد ووصل شاور وزير العاضد خليفة مصر إلى دمشق إلى نور الدين يستنجده ثم عاد إلى مصر فجهز نور الدين إليهم عسكرا أمر عليهم أسد الدين شيركوه وجهز معه أخاه نجم الدين وابن أخيه صلاح الدين فدخلو مصر آمنين وقتلوا شاور وولى شيركوه وزارة الخليفة العاضد إلى أن مات بعد نيف وسبعين يوما فولى بعده صلاح الدين الوزارة وهي في ذلك الوقت كالسلطنة فاستقل بسلطنة مصر ولقب بالملك الناصر لقبه بذلك الخليفة العاضد في سنة أربع وستين وصار للعاضد معه الاسم فقط وصار صلاح الدين هو السلطان فاستمر إلى أول سنة سبع وستين فقطع صلاح الدين الخطبة للعاضد وخطب للمستضيء خليفة بغداد واستقل بالملك ومات العاضد وقبض صلاح الدين على الفاطميين بأسرهم واستولى على القصر وخزائنه وهي أموال لا تحصى ولا تعرف لملك قبل الفاطميين

وكان صلاح الدين من حين اتصل بخدمة نور الدين قد طلق اللذات وكان محببا إليه خفيفا على قلبه ولما افتتح مع عمه مصر ثم استقل بالوزارة عظمت سطوته واتفقت له وقعة مع السودان سنة بضع وستين وكانوا نحو مئتي ألف فنصر عليهم وقتل أكثرهم وهرب الباقون وابنتي سور مصر والقاهرة على يد قراقوش واستفحل أمره جدا إلى أن أباد بيت الفاطميين وأهان الرفض وغيرهم من بدع المبتدعين

ذكر يسير من أخباره بعد استقلاله بالسلطنة وموت العاضد

وقد كان لما قبض على الفاطميين أخذ في نصرة السنة وإشاعة الحق وإهانة المبتدعة والقبض على الفاطمية والانتقام من الروافض وكانوا بمصر كثيرين ثم تجردت همته إلى الفرنج وغزوهم وكان من أمره معهم ما ضاقت به التواريخ وكان من أول فتوحاته برقة ونفوسة افتتحها على يد أخيه شمس الدولة في سنة ثمان وستين ثم في سنة تسع افتتح اليمن وقبض على المتغلب عليها عبد النبي بن مهدي ثم في سنة سبعين سار من مصر إلى دمشق بعد وفاة نور الدين مظهرا أنه يقيم نفسه أتابكا لولد نور الدين لكونه صبيا فدخلها يلاطفه ونزل بالبلد بدار أبيه المعروفة بدار العقيقي التي هي اليوم المدرسة الظاهرية ثم تسلم القلعة وصعد إليها وأخرج الصبي من الملك وصار هو سلطان مصر والشام واليمن والحجاز ثم سار قاصدا حماة و حمص ولم يشتغل بأخذ قلعتها ثم نازل حلب وهي الوقعة الأولى وفيها سير السلطان غازي بن مودود أخاه عز الدين مسعودا في جيش كبير لحربه وكان بها ولد نور الدين فترحل عن حلب ونزل على قلعة حمص فأخذها وهو مع ذلك يظهر حسن المقاصد وأنه قاصد إعزاز الدين وإنقاد البلاد من الفرنج وتسهيل أمور المسلمين

وجاء عز الدين مسعود فأخذ معه عسكر حلب وصار إلى قرون حماة وأخذ صلاح الدين يراسلهم دواما للصلح كيلا يقع سيف بين المسلمين وهم يراسلونه وهو يظنون أنه يطلب الصلح لضعفه عنهم وهم لا يعرفون ما عليه الرجل من حسن النية وحقق عندهم ما ظنوه كثرة عساكرهم وقلة من كان مع صلاح الدين من العسكر في ذلك الوقت فلما أبوا إلا المشاجرة معتقدين أن المصاف معهم يحصل غرضهم وأعجبتهم كثرتهم لاقاهم صلاح الدين فكانت الهزيمة عليهم وأسر صلاح الدين منهم خلقا ثم ساق وراءهم ونزل على حلب ثانيا فصالحوه وأعطوه المعرة وكفر طاب وبارين

وجاء صاحب الموصل غازي فحاصر أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار لكونه انتمى إلى صلاح الدين ثم صالحه لما بلغ غازي كسر أخيه مسعود ونزل بنصيبين وجمع العساكر وأنفق الأموال وعبر الفرات وقدم حلب فخرج إلى تلقيه ابن عمه الصالح إسماعيل بن نور الدين وأقام على حلب مدة

ثم كانت وقعة تل السلطان وهي منزلة بين حلب وحماة جرت بين صلاح الدين وصاحب الموصل في سنة إحدى وسبعين فنصر صلاح الدين ورجع غازي وعدي الفرات بعدما استأصل صلاح الدين كثيرا من خيامه وأمواله وفرقها في جماعته ثم سار

صلاح الدين فتسلم منبح وحاصر قلعة أعزاز ثم نازل حلب ثالثا وأقام عليها مدة فأخرجوا ابنة صغيرة لنور الدين إلى صلاح الدين فسألته أعزاز فوهبها لها ثم عاد إلى الديار المصرية واستناب بدمشق أخاه شمس الدولة تورانشاه وكان قد عاد من اليمن وكانت هذه السفرة منه إلى الشام مما نقم عليه ظاهرا للإساءة فيها إلى ولد نور الدين وهو ابن مخدومه الذي انشأه وأحسن إليه وقيامه على بيت الملك والعز قبله وهما صاحب الموصل وأخوه غير أن الحال بالآخرة تبين أن الله تعالى قد أراد إعزاز دينه على يد هذا الرجل وأنه لا يتم للمسلمين أمر بدون سلطان قاهر قادر على استئصال شأفة الفرنج في ذلك الوقت يجتمع عليه المسلمون ولا تتفرق عنه كلمتهم ويكون هو في نفسه جديرا بذلك وأبى الله أن يكون في ذلك العصر إلا صلاح الدين

فلما وصل إلى القاهرة عائدا من الشام بعد ما فعل ما رأيت مجمله دون مفصله وفي تفاصيله شرح كبير أحلناك على كتبه خرج إلى الفرنج في سنة ثلاث والتقاهم على الرملة فانكسر المسلمون يومئذ وثبت صلاح الدين وتحيز بمن معه ثم دخل إلى مصر ولم شعث العسكر ثم عاد إلى الشام وملك حلب وغيرها من البلاد وعظمت الشوكة ثم توجه لمحاصرة الفرنج بالكرك وجاء أخوه العادل من مصر وكان قد استنابه عليها فسير صلاح الدين تقي الدين عمر ابن أخيه ليحفظ مصر وأعطى أخاه العادل حلب بعد أن كان بها ولده الظاهر بن صلاح الدين وقدم الظاهر من حلب ثم أعاد العادل إلى مصر والظاهر إلى حلب ثم نزل على الموصل وترددت الرسل بينه وبين صاحبها عز الدين ثم مرض صلاح الدين فرجع إلى حران واشتد مرضه بحيث أيسوا منه وحلفوا لأولاده بإمرة والله يريد حياته ليتم إعزاز دينه فعوفي ومر بحمص وقد مات بها ابن عمه محمد بن شيركوه فأقطعها لولده شيركوه ثم استعرض التركة فأخذ أكثرها وكان عمر شيركوه اثنتي عشرة سنة ثم إن شيركوه هذا الشاب حضر بعد سنة عند صلاح الدين فقال له أين بلغت في القرآن فقال إلى قوله تعالى ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا‏}‏ فعجب الحاضرون من ذكائه وقيل إن صلاح الدين إنما أخذ الأموال ليحفظها لهذا الشاب

وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج وأسر ملوكهم وكسرهم على حطين وتوالت عليه الفتوحات وأنقذ البيت المقدس منهم وافتتحه وأعز الدين

ومما اقتلعه من يد الفرنج طبرية وقتل وأسر في ذلك اليوم أكثر من أربعين ألفا وتسلم قلعتها وأحضر إليه صليب الصلبوب وضرب بين يديه في مخيمه أعناق مائتي فارس من عظماء الفرنج

ثم افتتح مدينة عكا وكانت من أعظم حصونهم وأكثر مدنهم وأقام بها الخطبة الإسلامية ثم افتتح البيت المقدس وغيره وأخلى ما بين الشام ومصر من الفرنج وهذا عداد ما يحضرنا من فتوحاته من أيدي الفرنج قلعة أيلة

طبرية

عكا

القدس

الخليل

الكرك

الشوبك

نابلس

عسقلان

بيروت

صيدا

غزة

لد

حيفا

صفورية

الفولة

معليا

الطور

إسكندرونة

قلنسوة

يافا

أرسوف

قيسارية

جبلة

يبني

صرفند

عفربلاد

اللجون

نجدقاقون

مجدل

يابا

تل الصافية

بيت نوبا

النطرون

الجيب

البيرة

بيت لحم

ديخاوزاوا

حصن الدير

دمرا

قلقيلية

هريث

الزيب

الوعيرة

الهرمز

بعلب

العازرية

نقوع

الكرمل

مجدل

الطار

المعبر في جبل عاملة

والشقيف

سبسطية

ويقال بها قبر زكريا

وجبيل

وكوكب

وأنطرطوس

واللاذقية

وبكسرائيل

وصهيون

وحبلة

وقلعة العيد

وقلعة الجماهرية

وبلاطنس

والشغر

وبكاس

وسرمانية

وبرزية

ودربساك

وبغراس

وكانا كالجناحين لأنطاكية ومدينة صفد

وكل هذه مدائن منيعة وأكثرها اليوم قرى كبار ومنها مدائن كثيرة باقية إلى الآن

ونازل صور مدة ولم يقدر له فتحها وله مصافات يطول شرحها وافتتح كثيرا من بلاد النوبة من يد النصارى

ومن تأمل الرسائل الفاضلية رأى العجب من تأثيرات هذه الرجل في الإسلام ومن شدة بأسه وشجاعته

وكانت مملكته من الغرب إلى تخوم العراق ومعها اليمن والحجاز فملك ديار مصر بأسرها مع ما انضم إليها من بلاد المغرب والشام بأسرها مع حلب وما والاها وأكثر ديار ربيعة وبكر والحجاز بأسره واليمن بأسره ونشر العدل في الرعية وحكم بالقسط بين البرية مع الدين المتين والورع والزهد والعلم كان يحفظ القرآن والتنبيه والحماسة

قال الموفق عبد اللطيف رأيت السلطان صلاح الدين على القدس فرأيت ملكا عظيما يملأ القلوب روعة والعيون محبة قريبا وبعيدا سهلا محببا وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى ‏{‏وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ‏}‏ وأول ليلة حضرته وجدت مجلسا حفلا بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاستماع والمشاركة ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك وكان مهتما في بناء سور القدس وحفر خندقه يتولى ذلك بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به جميع الأغنياء والفقراء فيركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر ويأتي داره فيمد السماط ثم يستريح ويركب العصر ويرجع في ضوء المشاعل ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمله نهارا وكان يحفظ الحماسة ويظن أن كل فقيه يحفظها انتهى مختصرا

وقد وثبت عليه الإسماعيلية مرة فجرحوه وسلمه الله وهو الذي ابتنى قلعة القاهرة على جبل المقطم

وفتح من بلاد المسلمين حران وسروج والرها والرقة والبيرة وسنجار ونصيبين وآمد وملك حلب والبوازيج وشهرزور وحاصر الموصل إلى أن هادنه صاحبها عز الدين مسعود ودخل في طاعته وكانت هذه عادته إذا دخل أحد في طاعته لا يقابله إلا بالإحسان

وفتح أيضا من بلاد الشرق خلاط على يد ابن عمه تقي الدين فهذا ما افتتحه من بلاد الشرق

واستولى أيضا على طائفة وفتح عسكره مدينة طرابلس الغرب وكسر عسكر تونس وخطب بها لبني العباس وافتتح بلاد اليمن قيل ولو لم يقع الخلف بين عسكره الذين جهزهم إلى الغرب لملك الغرب بأسره

ولم يختلف عليه مع طول مدته أحد عسكره على كثرتهم

وكان الناس يأمنون ظلمه لعدله ويرجون رفده لكثرته

ولم يكن لمبطل ولا لصاحب هزل عنده نصيب

وكان إذا قال صدق و إذا وعد وفى وإذا عاهد لم يخن وإذا نازل بلدا وأشرف على أخذه ثم يطلب أهله الأمان يؤمنهم وكان جيشه يتألمون لذلك لفوات حظهم ولا يسعهم إلا وفاقه وامتثال أمره

وكان رقيق القلب جدا وربما حلق على مدينة وأحاط بها فسمع بكاء الحريم فتركها وإنما يفعل ذلك مع المسلمين

فمن كتاب فاضلي في فتوح حمص لما أحدقت العساكر المنصورة بالسور العاصم إحداق السوار بالمعاصم وطارت السهام إلى أوكارها من الضلوع وبرقت الأسنة وكأنها زبد بحار الدموع حصحص الحق واتسع الخرق وعلم أن ما أراده الخالق لا يرده الخلق فارتفع الضجيج وعلا تحت العجاج العجيج وأدركتنا رقة رفضت من أيدينا الرقاق وخشية عنت لنا أعنة الفساق فرفعنا على الأسوار أعلاما منشورة بالكف والإمساك مأمورة ووضعت الحرب أوزارها وحلت الأمنة أزرارها وشفعنا الوجوه المستورة بالخفر من نسوانها في الوجوه المكشوفة بالمعصية من فرسانها

وربما حاصر قوما ولم يمنع الميرة عنهم وجرى معهم على كذبهم ليأخذهم بالسهولة ثم يتبين له غدرهم وكذبهم وهو مع ذلك يحلم عنهم ويراعي مصلحة الدين كما اتفق له في حمص وقد افتتح المدينة وعصت عليه القلعة ولم يمنع الميرة عن أهلها ثم لما تبين له حالهم لم يبادر إلى الهدم مع ما فيه من سرعة نصرته خشية على القلعة لكونها من حصون المسلمين وطاول بهم الأمر إلى أن تيسر له فتحها

فمن كتاب فاضلي عن السلطان وهو محاصر قلعة حمص وقد بلغه أن أهلها استنجدوا عليه بالفرنج وأمرنا في القلعة بأن لا يضيق لها خناق ولا يضعف لأهلها أرماق ولا يمنع البيع والشراء والانتقال ويفتح لها ما لا يفسح فيه من يريد تثقيل وطأة الحصار وكان من استدعائهم الفرنج ما كان وهان بفضل الله تعالى من أمرهم ماهان

ثم أخذ يصف القلعة المشار إليها بكونها نجما في سحاب وعقابا في عقاب وهامة لها الغمامة عمامة وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال منها قلامة عاقدة حبوة صالحها الدهر على أن لا يحلها بفزعه عاقدة عصمة صافحها الزمن على أن لا يروعها بخلعة فاكتنفت بها عقارب لا تطبع طبع حمص في العقارب وضربتها بالحجارة فأظهرت العداوة المعلومة بين الأقارب ولم تكن غير ثالثه من الجد إلا وقد أثرت فيها جدريا بضربها ولم نصل إلى السابع إلا والبحر أتى ينذر بنقبها واتسع الخرق على الراقع وسقط سعدها عن الطالع إلى مولد من هو إليها طالع وفتحت الأبراج فكانت أبوابا وسيرت الجبال منها فكانت سرابا فهنالك بدت نقوب

يرى قائم من دونها ما وراءها **

ومن الكتب والمراسيم عنه

كتب في النهي عن الخوض في الحرف والصوت ‏{‏لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ‏}‏ الآية خرج أمرنا إلى كل قائم في صف أو قاعد في أمام وخلف أن لا يتكلم في الحرف بصوت ولا في الصوت بحرف ومن يتكلم بعدها كان الجدير بالتكليم ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}

وسأل النواب القبض على مخالفي هذا الخطاب وبسط العذاب ولا يسمع لمتفقه في ذلك تحرير جواب ولا يقبل عن هذا الذنب متاب ومن رجع إلى هذا الإيراد بعد الإعلان وليس الخبر كالعيان رجع أخسر من صفقة أبي غشبان وليعلن بقراءة هذا الأمر على المنابر ليعلم به الحاضر البادي ويستوي فيه البادي الحاضر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

قلت لا أشك أن هذا الفصل من كلام القاضي الفاضل

وهذه وقائع شتى

من ابتداء دخوله إلى مصر قبل أن يتسلطن و إلى أن استأثر الله بروحه الطاهرة مختصرة مقتصرا فيها على عيون الأخبار

في سنة أربع وستين وخمسمائة كان مسير أسد الدين شركوه عم السلطان صلاح الدين إلى مصر المسير الثالث

وذلك أن الفرنج قصدت الديار المصرية في جموع كثيرة وكان الملك نور الدين من جهة الشمال ونواحي العراق فطلعوا من عسقلان وأتوا إلى بلبيس فحاصروها وملكوها واستباحوها ثم نزلوا على القاهرة فحاصروها فأحرق شاور مصر خوفا من الفرنج وبقيت النار فيها أربعة وخمسين يوما فلما ضايقوا القاهرة وضعف المسلمون عنهم بعث إلى ملكهم يطلب الصلح على ألف ألف دينار يعجل له بعضها فأجابه ملك الفرنج واسمه مري إلى ذلك وحلف له فحمل إليه شاور مائة ألف دينار وماطله بالباقي وكاتب في ذلك الملك العادل نور الدين يستنجد به وسود كتابه وجعل في طيه ذوائب النساء وواصل كتبه يستحثه وكان بحلب فساق أسد الدين من حمص إلى حلب في ليلة

قال القاضي بهاء الدين ابن شداد قال لي السلطان صلاح الدين كنت أكره الناس للخروج إلى مصر هذه المرة وهذا معنى قوله ‏{‏وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ‏}

وقال ابن الأثير إن صلاح الدين قال لما وردت الكتب من مصر إلى نور الدين أحضرني وأعلمني الحال وقال تمضي إلى عمك أسد الدين بحمص مع رسول إليه تحثونه على الحضور ففعلت فلما سرنا عن حلب ميلا لقيناه قادما فقال له نور الدين تجهز فامتنع للخوف من غدرهم أولا وعدم ما ينفقه في العساكر آخرا فأعطاه نور الدين الأموال والرجال وقال له إن تأخرت عن مصر سرت أنا بنفسي فإنها إن ملكها الفرنج لا يبقى معهم بالشام مقام فالتفت إلى عمي وقال تجهز يا يوسف

فكأنما ضرب قلبي بسكين فقلت والله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها فلقد قاسيت بالإسكندرية من المشاق مالا أنساه

فقال عمي لنور الدين لا بد من مسيره معي وارسم له فأمرني نور الدين وأنا أستقيله

فانفض المجلس

ثم قال نور الدين لا بد من مسيرك مع عمك فشكوت الضائقة فأعطاني ما تجهزت به وكأنما أساق إلى الموت

وكان نور الدين رجلا مهيبا فسرت مع عمي فلما توفي أعطاني الله من الملك ما لا كنت أتوقعه انتهى

فجمع أسد الدين الجيوش وسار إلى دمشق وعرض بها الجيش وتوجه إلى مصر في جيش عرمرم فقيل كانوا سبعين ألف فارس وراجل فتقهقر الفرنج لمجيئه ودخل القاهرة في سابع ربيع الآخر وجلس في الدست وخلع عليه العاضد خلع السلطنة وولاه وزارته وقام شاور بضيافته عسكره وتردد إلى خدمته فطلب منه أسد الدين مالا ينفقه على جيشه فماطله فبعث إليه الفقيه ضياء الدين عيسى بن محمد الهكاري يقول إن الجيش طلبوا نفقتهم وقد ما ظلتهم بها وقد تغيرت قلوبهم فإذا أتيتني فكن على حذر منهم

فلم يؤثر هذا عند شاور وركب على عادته وأتى أسد الدين مسترسلا وقيل إنه تمارض فجاء شاور يعوده فاعترضه صلاح الدين وجماعة من الأمراء النورية فقبضوا عليه فجاءهم رسول العاضد يطلب رأس شاور فذبح وحمل إليه في سابع عشر ربيع الآخر ثم لم يلبث أسد الدين أن حضرته المنية بعد خمسة وستين يوما فقلد العاضد السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف السلطنة ولقب الملك الناصر وكتب بتقليده القاضي الفاضل بعد ما كان وقع خلف كبير عند الفراغ من عزاء أسد الدين فيمن يكون سلطانا ثم اتفقت كلمة الأمراء النورية على صلاح الدين قال العماد الكاتب وألزموا صاحب القصر يعني العاضد بتوليته

وقال القاضي كانت الوصية إلى صلاح الدين من عمه فلبس خلعة السلطنة بالقصر بين يدي العاضد وقبل يده وجاء إلى دار الوزارة وإن شئت قلت دار السلطنة فإن الوزارة عند الفاطميين هي السلطنة اسما ومعنى وجلس في دست الملك وشرع في تركيب السلطنة وترتيبها فأول ما دهمه أمر الخادم الخصي الذي كان يلقب مؤتمن الخلافة فإنه شق العصا باطنا وائتمر وتنمر وانضمت إليه طوائف من أخبث الروافض وكاتبوا الفرنج خفية فاتفق أن تركمانيا عبر بالبئر البيضاء فرأى نعلين جديدين مع إنسان فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدين فوجد في البطانة خرقة مكتوب فيها إلى الفرنج من القصر فقال دلوني على كاتب هذا الخط فدل على يهودي فلما حضر تلفظ بالشهادتين واعترف أنه كتب ذلك بأمر الطواشي المشار إليه واستشعر الطواشي الخبر فلزم القصر وأعرض عنه صلاح الدين إلى أن خرج إلى قرية له فأنهض له السلطان صلاح الدين من أخذ رأسه في ذي القعدة وقرر مكانه بهاء الدين قراقوش فصار مختوما على القصر لا يدخل القصر شيء ويخرج إلا بمرأى منه ومسمع

فلما قتل الخادم غار السودان وثاروا وكانوا أكثر من خمسين ألف مقاتلة وقد قدمنا أنهم كانوا نحو مائة ألف وكل قاله المؤرخون ولعل الجمع بينهما أن الخمسين ألفا كانوا مقاتلة فرسانا والباقون كانوا رجالة لا يضمهم ديوان وأقبلوا كقطع الليل المظلم فخرج إليهم من عسكر صلاح الدين الأمير أبو الهيجاء واتصل الحرب بين القصرين ودأب الحرب بينهم يومين ثم كانت الدائرة على السودان وأخرجوا إلى الجيزة وكانت لهم محلة تسمى المنصورة فخربت وحرقت ثم بلغ نور الدين نبأ هذه الأخبار الطيبة فانشرح صدره وأمد صلاح الدين بأخيه شمس الدولة تورانشاه

ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة

وفيها نزل الفرنج على دمياط في صفر وحاصروها أحدا وخمسين يوما ثم رحلوا خائبين لأن نور الدين وصلاح الدين أجلبا عليهم برا وبحرا وأنفق صلاح الدين أموالا كثيرة وقال ما رأيت أكرم من العاضد أرسل لي مدة مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار مصرية سوى الثياب وغيرها

وفيها دخل نجم الدين أيوب أبو صلاح الدين مصر فخرج العاضد بنفسه إلى لقائه وتأدب ابنه صلاح الدين معه وعرض عليه منصبه

ثم دخلت سنة ست وستين وخمسمائة

وفيها عمل صلاح الدين بمصر مدرستين للشافعية والمالكية وخرج بجيوشه فأغار على الرملة وعسقلان وهجم على ربض غزة ورجع إلى مصر وجهز بعض جنده إلى قلعة أيلة فغزوها في المراكب وافتتحوها واستباحوا الفرنج فيها قتلا وسبيا وكان فتح هذه القلعة واستعادتها من الفرنج أعظم النعم على المسلمين فإنها كانت قلعة منيعة وكانت الفرنج قد اتخذوها هي والكرك سبيلا إلى الإحاطة بالحرمين الشريفين فقدر الله فتحهما على يد هذا السلطان رحمه الله

ومن كتاب فاضلي من السلطان إلى الخليفة يعدد فيه ما للسلطان من الفتوحات ومن جهاد الفرنج ومنها قلعة بثغر أيلة بناها العدو في البحر ومنها المسلك إلى الحرمين الشريفين بحيث كادت القبلة يستولي على أصلها والمشاعر يسكنها غير أهلها ومضجع الرسول يتطرق إليه الكفار

في كلمات قالها

ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة

فاستفتح السلطان الخطبة في الجمعة الأولى منها بجامع مصر لبني العباس وأقيمت الخطبة العباسية في الجمعة الثانية بالقاهرة وأعقب ذلك موت العاضد في يوم عاشوراء بالقصر وجلس السلطان للعزاء وأغرب في الحزن والبكاء وانقرضت دولة الفاطميين وكان لها أكثر من مائتي سنة وتسلم السلطان القصر بما فيه من خزائنه وذخائره واحتاط على آل القصر فجعلهم في مكان برسمهم وقررت لهم المؤونة وجمعت رجالهم واحترز عليهم ومنعوا من النساء لئلا يتناسلوا وذكر المؤرخون من نفائس القصر وذخائره مالا نطيل بذكره وانتقل الملك العادل سيف الدين أبو بكر إلى القصر بمرسوم أخيه فاستقر في نيابة السلطان وكتبت الكتب إلى بغداد بالبشارة وأعاد الجواب والخلعة الفائقة العباسية إلى السلطان صلاح الدين وفيها قال ابن الأثير حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وذلك أن نور الدين أرسل إليه يأمر بجمع الجيش والمسير لمنازلة الكرك ليجيء هو بجيشه ويحاصرانها فكتب إلى نور الدين يعرفه أنه قادم فرحل على قصد الكرك وأتاها وانتظر وصوله فأتاه كتابه يعتذر باختلال البلاد فلم يقبل عذره وكان خواص صلاح الدين خوفوه من الاجتماع به وهم نور الدين بالدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها فبلغ ذلك صلاح الدين فجمع أهله وأباه وخاله الأمير شهاب الدين الحارمي وسائر الأمراء وأطلعهم على نية نور الدين واستشارهم فسكتوا فقال ابن أخيه تقي الدين عمر إذا جاء قاتلناه ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب واحتد وكان ذا رأي ومكر وقال لتقي الدين اسكت وزبره وقال لصلاح الدين أنا أبوك وهذا خالك أتظن أن في هؤلاء من يريد لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو رأيت أنا وهذا نور الدين لم يمكنا إلا أن ننزل ونقبل الأرض ولو أمرنا بضرب عنقك لفعلنا فما ظنك بغيرنا فكل من تراه من الأمراء لو رأى نور الدين لما وسعه إلا الترجل وهذه البلاد له وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء بل يطلبك بكتاب

وتفرقوا وكتب أكثر الأمراء لنور الدين بمأتم ولما خلا بولده قال أنت جاهل تجمع هذا الجمع وتطلعهم على سرك ولو قصدك نور الدين لم تر أحدا منهم ثم كتب إلى نور الدين بإشارة والده نجم الدين يخضع له ففتر عنه

ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة

فأرسل السلطان فيها قراقوش مملوك ولد أخيه تقي الدين عمر إلى جبال نفوسه ومعه طائفة من الأتراك فلما وصل إلى الجبال استصحب معه منها بعض المتقدمين ونزل على طرابلس الغرب فحاصرها ثم فتحت فاستولى عليها قراقوش وسكنها وكثرت عساكره

وفيها جهز السلطان شمس الدولة إلى برقة فافتتحها على يد غلام له تركي

ثم بلغ السلطان أمر ابن مهدي الخارج باليمن وما هو عليه من اختلال العقيدة فجهز أخاه شمس الدولة فافتتح اليمن وتملكها

ثم سار السلطان بنفسه من مصر يريد اقتلاع مدينة الكرك من الفرنج وبدأ بها لقربها إليه وكان من الوهن في الإسلام والعظمة في الدين استيلاء الملاعين على الكرك وعلى قلعة أيلة فإنهم يمنعون الحاج وأشد من ذلك ما يخشى على الحرمين الشريفين منهم إذ لم يكن بينهم وبينهما حاجز غير لطف الله وقصدوهما مرات ثم يندفعون بمشيئة الله من غير دفاع من البشر وكانت الكرك تزيد على قلعة أيلة بمنع القوافل السائرة بين الشام ومصر فإنها كانت الدرب وأما غزة والرملة وما حواليهما فكان الفرنج لا يمكنون مسلما أن يمر بهما فورد عليهما وحاصرهما وقاتل الفرنج ولم يفتحهما في هذه السنة ورجع إلى مصر

ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة

قال ابن الأثير جهز السلطان أخاه توران شاه إلى بلاد النوبة فافتتح منها ما شاء الله فلما عاد جهزه إلى اليمن بقصد عبد النبي صاحب زبيد فطرده عن اليمن وملك زبيد وأسر عبد النبي وزوجته الحرة وكانت صالحة كثيرة الصدقة وعذب عبد النبي واستخرجت منه أمواله

ثم سار توران شاه إلى عدن وملكها ياسر فأسر وهزم

ثم سار فافتتح من حصون اليمن قلعة تعرف بقلعة الجند قال أبو المظفر بن الجوزي يقال افتتح ثمانين حصنا ومدينة باليمن وما حواليها

وقد تقدم في السنة قبلها إرسال تورانشاه وهو شمس الدولة إلى اليمن ووقعة النوبة فقتل والله أعلم في أي السنتين كان إرساله

وفي هذه السنة وصل الموفق ابن القيسراني إلى مصر رسولا من الملك نور الدين يطالب السلطان صلاح الدين بحساب جميع ما حصله من أرياع البلاد ولم يعلم نور الدين بتفاصيل علو شأن صلاح الدين وأنه مستول على أعظم ما في يد نور الدين فصعب ذلك على صلاح الدين وقيل إنه أراد شق العصا ثم ذكر لنور الدين حقوقه وإحسانه وأمر النواب بالحساب وعرضه على ابن القيسراني وأراه جرائد العساكر بالإقطاعات وأعاده إلى نور الدين ومعه الفقيه عيسى وهدية عظيمة وهي ختمة بخط ابن البواب وختمه بخط مهلهل وختمه بخط الحاكم البغدادي وربعة مكتوبة بالذهب بخط فارسي وربعة عشرة أجزاء بخط راشد وثلاثة أحجار بلخش وستة قضبان زمرد وقطعة ياقوت وزن سبعة مثاقيل وحجر أزرق ستة مثاقيل ومائة عقد جوهر وزنها ثمانمائة وسبعة وخمسون مثقالاوخمسون قارورة دهن بلسان وعشرون قطعة بلور وأربع عشرة قطعة جزع وإبريق يشم وطشت يشم وصحون صيني وزبادي أربعون وكرتان عود قماري وزن إحداهما ثلاثون رطلا بالمصري والأخرى أحد وعشرون ومائة ثوب أطلس وأربعة وعشرون بقيارا مذهبة وخمسون ثوب حرير وحلة فلفي مذهب وحلة مرايش صفراء وغير ذلك من القماش الذي يكثر عده وقيمة القماش على ما ذكر مائتان وخمس وعشرون ألف مثقال ذهب ومن الخيل والبغال والجواري والسلاح شيء كثير ومن المال خمسة أحمال ولم يصل شيء من ذلك إلى نور الدين لأنه مات قبل وصوله

ولما مات نور الدين طمعت الفرنج وتحركوا بالسواحل وسلطن الشاميون الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين وكان عمره نحو عشر سنين فاستنجد بالسلطان صلاح الدين صاحب مصر ونزل الفرنج على بانياس وصالحهم أمراء دمشق على مال وأسارى يطلقون فلما بلغ ذلك صلاح الدين انزعج له وكتب إلى الشاميين يوبخهم وكتب إلى شيخ الشافعية شرف الدين ابن أبي عصرون يخبره أنه لما أتاه كتاب الملك الصالح تجهز للجهاد وخرج وسار أربع مراحل فجاءه الخبر بالهدنة المؤذنة بذل الإسلام على يد من اقتلعها

من دفع القطيعة والأسارى وسيدنا الشيخ أول من جرد لسانه الذي تغمد له السيوف وتجرد

ولما بالغ صلاح الدين في توبيخ الأمراء وكان ابن المقدم أكبر أمراء دمشق خشى من قدوم صلاح الدين إلى الشام وأشاع أن صلاح الدين يريد انتزاع دمشق من ولد مخدومه نور الدين وكتب إلى صلاح الدين لا يقال عنك إنك طمعت في بيت من غرسك ورباك وأسسك وفي دست ملك مصر أجلسك ثم تعطف له وترفق ويقول وما يليق بحالك غير فضلك واتصالك

فكتب إليه صلاح الدين إنا لا نؤثر للإسلام وأهله إلا ما جمع شملهم وألف كلمتهم ولا نختار للبيت الأتابكي أعلاه الله إلا ما حفظ أصله وفرعه فالوفاء إنما يكون بعد الوفاة ونحن في واد والظانون بنا سوء الظن في واد

ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة

وقد تزايد طمع الفرنج في دمشق بموت نور الدين فرأى صلاح الدين من الحزم جمع المسلمين على سلطان واحد يقيم الملة وينصر الشريعة وإنه ذلك الواحد الذي تعقد عليه الخناصر وأن الإسلام محتاج إليه وصار الحاسدون والجاهلون بأحكام الشريعة يعيبون منه قصده لأخذ دمشق ويقولون كيف يسلب ولد أستاذه نعمته وينزع ملكه وهم كما قال في واد فإنه فيما يغلب على الظنون الصادقة إنما قصد لم شعث الإسلام وقيام الدين وظهر ذلك على يده من بعد فخرج من مصر بجيوش لا يحصى عددها واستخلف أخاه الملك العادل بها ووصل إلى بصرى رابع عشري ربيع الآخر فخرج إليه صاحبها منقادا لخدمته ثم تتابع عسكر الشام ملاقين مستبشرين ونزل بجسر الخشب في الثامن والعشرين وقد تكاثرت العساكر وازدحم الملاقون وأصبح لدخول دمشق فعارضه عدد من الرجال فدعستهم عساكره المنصورة وصدمتهم خيوله وعزماته المأمورة ودخل البلد وملكها بلا قتال ونادى من ساعته بإطابة النفوس وإزالة المكوس وكانت الولاية في دمشق قد ساءت والمكوس التي رفعها نور الدين قد أعيدت فأعاد صلاح الدين الحق إلى نصابه وصارت دمشق مثل مصر وكلاهما في مملكته

ثم خرج إلى حمص فنازلها ونصب المجانيق على قلعتها ولم يملكها وترحل عنها إلى حماة فملكها في جمادى الآخرة ثم سار إلى حلب وحاصرها إلى آخر الشهر وبها الصالح إسماعيل ولد نور الدين واشتد بها الحصار وهذه هي الفعلة التي نقمت على صلاح الدين فالله أعلم بنيته وأنه أساء العشرة في حق الصالح ابن نور الدين بحيث استعان الصالح عليه بالباطنية ووعدهم بالأموال فقتلوا من أمراء صلاح الدين الأمير خمارتكين وخلقا وجرحوا صلاح الدين ثم أمسكهم وقتلهم عن آخرهم ورجع إلى حمص فحاصرها بقية رجب وتسلمها بالأمان في شعبان ثم عطف إلى بعلبك فاستلمها ثم رد إلى حمص وقد اجتمع عسكر حلب وكتبوا إلى صاحب الموصل يستعينون به على صلاح الدين فجهز إليهم جيشه وأمدهم بأخيه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي فأقبل الكل إلى حماة وقد استقرت لصلاح الدين فحاصروها فسار إليهم صلاح الدين فالتقاهم على قرون حماه فكسرهم أقبح كسرة ثم سار إلى حلب فوقع الصلح بينه وبين ابن زنكي على أن يكون له آخر بلد حماة والمعرة وأن يكون لولد نور الدين حلب وجميع أعمالها وتحالفوا ورد إلى حماة وجاءته رسل الخليفة المستضيء بالخلع والهدايا والتهنئة بالملك ثم سار إلى حصن بارين فحاصره ثم تسلمه

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

وفيها كان وقعة تل السلطان بنواحي حلب وذلك أن عسكر الموصل نكثوا أيمانهم ووافوا تل السلطان في جموع كثيرة وعليهم السلطان سيف الدين غازي ابن مودود بن زنكي فالتقاهم السلطان صلاح الدين في جمع قليل فهزمهم وأسر كثيرا منهم وحقن الدماء ثم أحضر الأمراء الذين أسرهم فمن عليهم وأطلقهم

ثم سار صلاح الدين إلى منبج وأخذها في شوال من ينال بن حسان المنبجي وكان نور الدين قد أعطاها لينال عندما انتزعها من أخيه غازي بن حسان وصعد الحصن وجلس يستعرض أموال ابن حسان صاحبها وذخائر فكانت ثلاثمائة ألف دينار ومن أواني الذهب والفضة والذخائر والأسلحة ما يناهز ألفي ألف دينار ورأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبا يوسف فسأل عن هذا الاسم فقيل ولد له يحبه اسمه يوسف وكان يدخر له هذه الأموال فقال السلطان أنا يوسف وقد أخذت ما خبئ لي

ثم سار إلى عزاز فنازل قلعتها ثمانية وثلاثين يوما وقفز عليه وهو محاصرها قوم من الفداوية وجرح في فخذه وأخذوا فقتلوا ثم افتتح عزاز

ومن كتاب منه إلى أخيه العادل ولم ينلني من الحشيشي الملعون إلا خدش قطرت منه دم قطرات خفيفة انقطعت لوقتها واندملت لسعاعتها

ثم سار من عزاز فنازل مدينة حلب كرة أخرى في نصف ذي الحجة وقامت القلعة في حفظها بكل ممكن وصابرها صلاح الدين شهرا

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

وفيها ترددت الرسل في الصلح بين السلطان صلاح الدين والملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين فرحل صلاح الدين عن حلب وأبقاها لابن نور الدين ورد عليه عزاز وتوجه إلى مصياف بلد الباطنية فنصب عليها المجانيق وأباح قتلهم وخرب بلادهم فتشفعوا بصاحب حماة شهاب الدين خال السلطان فسأل السلطان الصفح عنهم وتوجه عائدا إلى مصر فوصلها وأمر ببناء السور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة وجعل على بنايته الأمير قراقوش ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين وصرفت عليه أموال جزيلة

وفيها أمر بإنشاء قلعة الجبل المقطم التي هي الآن دار سلاطين مصر وجعل على بنائها أيضا قراقوش ولم يكن السلاطين قبلها يسكنون إلا دار الوزارة بالقاهرة

ثم سافر إلى الإسكندرية وتردد إلى السلفي فسمع منه الحديث ثم عاد إلى مصر وبنى تربة الشافعي رضي الله عنه

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

وفيها كانت وقعة الرملة

سار السلطان من القاهرة إلى عسقلان فسبى من الفرنج كثيرا وغنم وسار إلى الرملة وقد تجمعت عليه الفرنج وحملوا على المسلمين فانهزموا وثبت السلطان وابن أخيه تقي الدين عمر ودخل الليل واحتوى الفرنج على أثقال المسلمين واستشهد من المسلمين جماعة منهم أحمد ولد تقي الدين عمر ولم يبق للمسلمين قدرة على ماء ولا زاد وتعسفوا الرمال راجعين إلى مصر

وفي هذه الواقعة أسر الفقيه عيسى الهكاري أكبر الأمراء فافتداه السلطان بستين ألف دينار

ودخل السلطان القاهرة بعد ثلاثة عشر يوما وتواصلت خلفه العساكر ثم عاد السلطان إلى الشام

ودخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة

وفيها اجتمعت الفرنج عند حصن الأكراد فسار إليهم السلطان ولم يقع قتال ثم أغاروا على أعمال دمشق وجهز لحربهم فرخشاه ابن أخي السلطان فالتقاهم وكسرهم وقتل من مقدميهم جماعة منهم هنفري

قال ابن الأثير وما أدراك ما هنفري به كان يضرب المثل في الشجاعة

ثم دخلت سنة خمس وسبعين وخمسمائة

وفيها ضربت الطبول ببغداد وزفت البشائر بانتصار السلطان صلاح الدين على الفرنج وأسره لصاحب الرملة وصاحب طبرية الكافرين وهي وقعة مرج العيون

ومن حديثها أن صلاح الدين كان نازلا تل بانياس ببيت بسراياه فلما استهل المحرم ركب فرأى راعيا فسأله عن الفرنج فأخبره بقربهم فعاد إلى مخيمه وأمر الجيش بالركوب فركبوا وسار بهم حتى أشرف على الفرنج وهم في ألف قنطارية وعشرة آلاف مقاتل فارس وراجل فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم وحملت المسلمون عليهم فولوا الأدبار فقتل أكثرهم وأسر منهم مائتان وسبعون أسيرا منهم بادين وأود مقدم الداوية وابن القومصة وأخوا صاحب جبيل وابن صاحب مرقية وصاحب طبرية فأما بادين بن بيرزان فاستفك نفسه بمبلغ وبألف أسير من المسلمين واستفك الآخر نفسه بجملة وأما أود فجن في حبس قلعة دمشق وانهزم من الوقعة ملكهم مجروحا وأبلى في هذه الوقعة عز الدين فرخشاه بلاء حسنا

واتفق أنه في يوم الوقعة ظفر أسطول مصر ببطستين وأسروا ألف نفس فلله الحمد على نصره

وكان قليج أرسلان سلطان الروم طلب حصن رعبان وزعم أنه من بلاده وإنما أخذه منه نور الدين على خلاف مراده وأن ولده الصالح إسماعيل قد أنعم به عليه فلم يفعل السلطان فأرسل قليج عشرين ألفا لحصار الحصن فالتقاهم تقي الدين عمر صاحب حماة ومعه سيف الدين علي المشطوب في ألف فارس فهزمهم لأنه حمل عليهم بغتة وهم على غير تعبية فضربت كوساته وعمل عسكره كراديس فلما سمعت الروم الضجة ظنوا أنهم قد دهمهم جيش عظيم فركبوا خيولهم عريا وطلبوا النجاة وتركوا الخيام بما فيها وأسر منهم عددا ثم من عليهم بأموالهم وسرحهم ولم يزل تقي الدين يدل بهذه النصرة ولا ريب أنها عظيمة

وورد بغداد رسول صلاح الدين وهو مبارز الدين كشطغاي وجلس له ظهير الدين أبو بكر ابن العطار وبين يديه أرباب الدولة فجاء وبين يديه اثنا عشر أميرا عليهم الخوذ والزرديات ومع كل واحد قنطارية وعلى كتفه طارقة ملك الفرنج على القنطاريات سعف الفرنج وبين يديه أيضا من التحف والنفائس من ذلك صنم حجر طويل ذراعين فيه صناعة عجيبة قد جعل سبابته على شفته كالمتبسم عجبا ومن ذلك صينية ملآنة جواهر وضلع آدمي نحو سبعة أشبار في عرض أربع أصابع وضلع سمكة طوله عشرة أذرع في عرض ذراعين

وفيها جهز السلطان القاضي أبا الفضائل بن الشهرزوري إلى الخليفة ببغداد أيضا بجواهر مثمنة وعشرة أسرى من الفرنج

ثم دخلت سنة ست وسبعين وخمسمائة

وفيها توجه السلطان قاصدا بلاد الأرمن وبلاد الروم ليحارب قليج أرسلان بن مسعود ابن قليج أرسلان عندما استجار محمد بن أرسلان بن داود صاحب حصن كيفا بالسلطان على حموة قليج المذكور ثم صلح الحال بينهما فنزل السلطان على حصن من بلاد الأرمن فأخذه وهدمه ثم رجع فعند وصوله إلى حمص جاءه التقليد والخلع من الخليفة الناصر فركب بها بحمص وكان يوما مشهودا وجاء إلى دمشق وولى عز الدين فرخشاه نيابة السلطنة بالشام وهو ابن أخيه ثم توجه السلطان إلى مصر وتوجه منها إلى الإسكندرية وشاهد ما تجدد بها من السور وسمع بها الموطأ على أبي الطاهر ابن عوف

ثم دخلت سنة سبع وسبعين وخمسمائة

وفيها قصد نائب الشام عز الدين فرخشاه بمرسوم السلطان بلاد الكرك بالعساكر فخربها وذلك عندما بلغ السطان أن اللعين صاحب الكرك سولت له نفسه قصد المدينة الشريفة ليتملكها فما نهبت بلاده عاد بالخيبة

وفيها ظهرت الوحشة بين الخليفة الناصر والسلطان وذلك أن السلطان لما اشتهر اسمه بالعدل وشدة الوطأة وخافته النفوس الفاجرة واستبشرت به الأرواح الطاهرة وحسده ملوك الأطراف وأحبوا أن يوقعوا بينه وبين الخليفة سولوا للخليفة أمورا أوجبت أن يكتب للسلطان يأخذ عليه في أشياء منها تسميته بالملك الناصر مع علمه أن الإمام اختار هذه التسمية لنفسه وهذه الواحدة على ندورتها مدفوعة بأن السلطان لقب بالناصر من أيام الخليفة المستضيء قبل أن يلي الناصر الخلافة فكتب له السلطان جوابا فاضليا منه والخادم ولله الحمد يعدد سوابق في الإسلام والدولة العباسية لا يعدها أولية أبي مسلم لأنه والي ثم وارى ولا آخرية طغرلبك لأنه نصر ثم حجر

والخادم بحمد الله خلع من كان ينازع الخلافة رداءها وأساغ الغصة التي ذخر الله للإساغة في سيفه ماءها فرجل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر وأعز بتأييد إبراهيمي فكسر الأصنام الباطنة بسيفه الظاهر لا الساتر وفعل وما فعل للدنيا ولا معنى للاعتداد بما هو متوقع الجزاء عنه في اليوم الآخر

ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

فيها افتتح السلطان حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة والبيرة وآمد

ونازل الموصل وحاصرها وبهره ما رأى من حصانتها وجاءه شيخ الشيوخ صدر الدين من قبل الخليفة يتشفع في صاحب الموصل فرحل عنها

وفيها بعث السلطان أخاه سيف الإسلام طغتكين على نيابة السلطنة بإقليم اليمن بأسره وأمره بإخراج نواب أخيه توران شاه بها فرحل إليها وقبض على متولي زبيد حطان بن منقذ وأخذ منه أموالا جزيلة وسكن سيف الإسلام في اليمن

وفيها مات عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب نائب الشام فبعث السلطان على نيابة دمشق شمس الدين محمد بن المقدم

وفيها خرج السلطان بنفسه من مصر غازيا وما تهيأ له العود إليها وقد عاش بعد ذلك اثنتى عشرة سنة

ثم دخلت سنة تسع وسبعين وخمسمائة

ورسل الخليفة في كل سنة تجيء غير مرة بالتودد ظاهرا واستعلام أخبار السلطان باطنا فلا يرون إلا إماما عادلا لا يصطلى له بنار وغضنفرا باسلا لا يقوم لغضبه إلا الواحد القهار وكتب له السلطان كتابا فاضليا فيه من أخبار الفرنج كان الفرنج قد ركبوا من الأمر نكرا وافتضوا من البحر بكراذ وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة

آخر الطبقة الخامسة